آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح الحكم الغوثية : الشَّيْخُ مَنْ هَذَّبَكَ بِأَخْلاَقِهِ وَأَدَّبَكَ بِإِطْرَاقِهِ وأَنَارَ بَاطِنَكَ بِإِشْرَاقِهِ.

أخد يبين رضي الله عنه في أوصاف الشيخ المعتمد عليه في طريق القوم، فأخبر أنَّ من سِمَتِهِ وحسن سيرته، أنه يأخد المريد من حال إلى حال شريف، بدون أن يتكلف له بمقال، إنما الحال يسرق الحال، فيتهذب المريد بأخلاقه. كان صلى الله عليه وسلم سكوته بين أصحابه وجلوسه ونومه ويقظته وسائر أحواله تعليما. وكذلك من كان على آثاره فلا بد من أحواله تسري في تلامذته. فلهذا قال الشيخ الذي تظهر عليك فائدته، أيها المريد، هو من هذبك بأخلاقه لا بمقاله، وأدبك بإطراقه، وأنار باطنك بإشراقه، أي أخدك بحاله، وأسرى فيك بأسراره وعرفك بنفسه، وانتفعت بمعرفته حتى كنت نسخة منه، ما فيه يظهر عليك. 

دخل بعض الصوفية على الجنيد رحمة الله عليه، فوجد أصحابه في غاية الأدب، فقال له: أدَّبتَ تلامذتك يا جنيد، قال : والله ما أدَّبتهم، ولكن ما في بواطنهم ظهر على ظواهرهم. 

وكان يقول بعضهم : إذا كانت السلحفاة تُربِّي أولادها بالنظرة، فكيف بالشيخ الكامل لا يربِّي أبناءه بالنظرة، بل ذلك من لوازمه. وفي هذا قال أبو العباس المرسي رضي الله عنه : ما بيني وبين مريدي إلاّ نظرة واحدة، فإذا نظرته قد أغنيته. وكان أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول : (مالي وصحبة الأميين، والله لقد صحبنا رجالا، لو نظر أحدهم إلى شجرة يابسة لأثمرت من حينها). نعم فقد تلاقينا بمثل ما ذكر الشيخ، فكان أستاذنا الشيخ سيدي محمد البوزيدي رضي الله عنه ليس بينه وبين المريد إلا أن يرضى عليه، فقد لاقيناه وليس فينا من قابلية الطريق إلا مجرد المحبَّة فما مرَّتْ علينا أيام إلاّ وصِرنَا في مقام يعجز عن وصفه بدون استعداد لذلك. وقلتُ له مرة : جزاك الله خيراً يا سيدي فإنك أكرمتنا بما لسنا له أهلاً. فقال لي : أنتم جزاكم الله خيرا حيث أتيتمونا، فوالله لو تلاقينا بمن لا يحسن الشهادة لعلمناه بما علمناكم بدون شعور.

قيل دخل لص على رابعة العدوية ليلاً، فنظر في البيت يميناً وشمالاً فلم يجد غير إبريق، فلما همَّ بالخروج قالت له : يا هذا إن كنتَ من الشُطَّار، فلا تخرج بلا شيء، فقال لها : وكيف إذا لم أجد شيئا ؟ فقالت له : خد هذا الإبريق، ثم توضأ، فصل ركعتين، ففعل ما أمرته؛ فلما قام يصلي رفعت رابعة العدوية طرفها إلى السماء وقالت : سيدي ومولاي هذا عبدك قد أتى إليَّ ولم يجد عندي شيئاً، وقد أوقفته ببابك، فلا تحرمه من فضلك وثوابك؛ فلما فرغ من صلاة الركعتين لذَّتْ له العبادة، فما برح يصلي إلى آخر الليل، فلما كان وقت السحر دخلت عليه رابعة العدوية فوجدته ساجداً وهو يقول في عتابه لنفسه :

إذا ما قال لي ربـــّي        أما استحييت تعصيني
وتُـخفي الذنبَ عن خَلقي       وبِالعِصيانِ تأتيني
فما قولي له لما           يعاتبني ويقصيني

فقالت له : حبيبي كيف كانت ليلتك ؟ فقال : بخير بين يدي مولاي بِذُلِّي وفَقري، فجبر كسري، وقبل عذري، وغفر لي الذنوب وبلغني المطلوب. ثم خرج هائماً على وجهه؛ فرفعت رابعة العدوية طرفها إلى السماء وقالت : سيدي ومولاي هذا واقف ببابك ساعة فقَبِلتَه، وأنا مُنْذُ عرفتُكَ بينَ يديْكَ أتُرَى قَبِلْتَنِي ! فنوديت في سرها، يا رابعة من أجلك قبلماه وبسببك قرَّبناه. ومثل هذا من حكايتهم رضي الله عنهم كثير. 

والمعنى أنَّ الشيخ عندهم لا يكون شيخاً إلاّ إذا قويت عزيمته، وعظمت همَّته على المريد بحيث يقدر أن ينقله مما هو عليه بمجرد اضطرار المريد وامتثاله لِما يأمه به، وإلاّ فليس له من المشيخة إلاّ مجرد الإسم.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية