واعلم أيها الطالب لطريق السادة، نلت السعادة، بأن العارفين من أهل الحق واليقين، والطريق المبين، رضي الله عنهم أجمعين قالوا إن طريقنا غيب غير محسوس ولا مشهود، سلوكه بالقلوب، لأنه من الغيوب، فيجب على المريد التصديق بآثاره، والإذعان لسطعات أنواره، مع الجد والاجتهاد، والتوجه الكلِّي والاستعداد، وسلوكه يصعب على النفوس، لكونه علم ذوق لا يُصطَّرُ في الطروس.
اللهم بجاههم عليك، وتقريبهم إليك، يا فرد، يا صمد، يا واحد، يا أحد، أن توفقني لِما يرضيك عنِّي لأُدعَى بالعبد المعبد، الذي بطاعة سيِّده تسوَّد.
اللهم بكلماتك التي ينفد البحر ولا تنفد، أن تجعلني ممن على فضلك دون علمه وعمله اعتمد، وممن صلى في محراب الاقتراب المُصمد، وقرأ من الآيات ما به وجد، وركع مسبِّحاً وسجد، وتشهد وسلِّم على أهل الغيبِ والشهادة في المهاد الأمهد، غائباً في جامع المشهد، آيباً في لامع نورٍ يتوقد، مرفوع الدعوات مسموع التوجهات، التي عن التصوّرات لم تتولَّد، لأنها عن التنزلات توجد.
اللهم صل وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل سيدنا محمد أبد الأبد، وأمد الأمد، صلاة مالها حد يحدَّد، ولا تدخل تحت قيد عدد، وعلى التابعين وتابع التابعين إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
الفصل الأول في التوبة
قال تعالى :{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا}ووعد بقبول التوبة في آيتين وقال تعالى : {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}وقال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} ووعد بالمغفرة للتائب في آيتين فقال تعالى : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ} وقال عز وجل : {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ، وآنس عباده في آيتين : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وقال تعالى : {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}الآية.
والآيات في ذكر التوبة كثيرة، وفي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (للّهُ أَشَدّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ، مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالّتِهِ، إِذَا لَقِيَهَا بِأَرْضٍ فَلاة بعدَ هَرَبِهَا)، وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن العبد إذا اعترف بذنبِهِ ثمَّ تَابَ تَابَ اللهُ عَليْهِ) وفي الصحيح عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وإذا أحبَّ الله عبداً لم يضره ذنب، ثم تلى : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} قيل يا رسول الله وما علامة التوبة ؟ قال الندامة).
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ شَابٍّ تَائِبٍ) ويقال إن الله يقول في بعض كتبه : (ابن آدم عليك الجهد وعلي الوفاء، عليك الصبر وعليَّ الجزاء، عليك السؤال وعلي العطاء، عليك الأملاء وعلي الكتابة، عليك الدعاء وعليَّ الإجابة، عليك الشكر وعليَّ الزيادة، عليك التوبة وعليَّ القبول.