ورجال الطريق هم الذين وصلوا إلى مقام القرب والتمكين، ولهم خمسة أركان، وعشرون صفة :
أمَّا الأركان فهي : عبدية الحضرة، واستعداد قبول الحقائق الحضرة بلا واسطة، ووجود الرحمة الخاصة من المقام العندية، وشرف تعلم العلوم من الحضرة، وكون التعلم منها بلا واسطة قال الله تعالى : {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}[الكهف : 65]، فاندرج فيه جميع ما ذكر من الأركان كما هو الظاهر.
وأمَّا الصفات : فهو أن يكون عالماً بالشريعة على قدر الحاجة، وأن يكون على اعتقاد أهل السنة والجماعة، وعاقلاً بالعقل الديني والمعاشي، وسَخياًّ وشُجاعاً، وعفيفاً من جهة النفس، وعالي الهمَّة مشفقاً على المريد، وحليماً وعفواًّ، وحسن الخلق، وصاحب الإيثار، وكريماً ومتوكلاً، ومسلِّماً وراضياً بالقضاء، وذات وقار وساكناً في الحركات، وثابت القدم في الإرادات، وذات هيبة، فالموصوف بهذه الأوصاف متخلق بأخلاق الله يوصل المريد إلى الحق تعالى بإذنه تعالى في مدة قصيرة بشرط أن يكون المريد أيضاً موصوفاً؛ لأنه ينبغي أن يكون موصوفاً بعشرين وصفاً كالشيخ، وهي : التوجه، والزهد، والتجريد، واعتقاد أهل الحق، والتقوى، والصبر، والمجاهدة، والشجاعة، والبذل، والفتوة ،والصدق والعلم، والطلب، والحيلة من الأعداء.
والملامية هي أن يكون المدح والذم، والرد والقبول عنده سواء، والعقل، والأدب، وحسن الخلق، والتسليم، والتفويض. فإذا وجد المريد كذا، وأخد عن رجل كذا في مدة يسيرة يحصل ذا، وإلاّ فمتعسر أو متعذر كما عرفت. فإذا لم يأخد الطريق من الرجال فالانتقال محال، وإذا لم يحصل الانتقال لم يتحقق بحقائق الحروف والأسماء، ومن لم يتحقق بها يكون مصروفاً عن كشف غوامض الأشياء (3).
هوامش
1 - الشيخ : هو الإنسان الكامل في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة، والبالغ إلى حد التكميل فيها لعلمه بآفات النفوس وأمراضها وأدوائها، ومعرفته بدوائها وقدرته على شفائها والقيام بهداها إن استعدَّت، ووفقت لاهتدائها.
2 - المريد : سُئل الدقَّاق رضي الله عن المريد فقال : حقيقة المريد أن يشير إلى الله تعالى، فيجد الله مع نفس الإشارة. وقيل له : فالذي يستوعب حاله ؟ قال : هو أن يجد الله بإسقاط الإشارة.
وسئل الروذبادي عن المريد والمراد فقال : المريد الذي لا يريد لنفسه إلا ما أراد الله له والمراد لا يريد من الكونين شيئاً غيره.
3 - قال السيد مصطفى البكري رضي الله عنه : قال الله تعالى : {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} فالأبواب هنا : الأساتذة، فمن رام سلوك الطريق بنفسه فقد غشَّها.
قال بعضهم : لإن تكون تحت حُكم هرَّة خير لك من أن تكون تحت حكم نفسك، فمن لم يخرج عن موافقة نفسه في هواها فما زكَّاها، ولا يأمن غوائل نفسه إلا جهول، ولا يركن إليها إلا مخبول بعدما سمع قول الحق عز وجل:{إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}.