ويحكى عنه: إن أبويه كانا نصرانيين، فأسلما معروفًا إلى مؤدبهم، فكان المعلم يقول له: قُل ثالث ثلاثة ومعروف يقول: بل هو الواحد الأحد الصمد، فما زال المؤدَّب يعاقبه علي ذلك، وهو يقول الواحد.
وروي : فضربه أحدٌ يومًا ضربًا مبرحًا، فهرب منه، فعمي خبره، فكان أبواه يقولان: ليتنا وجدناه على أي دين يشاء نوافقه عليه، ثم أنه مضى إلى علي بن موسى الرضي رضي الله عنه وأسلم على يديه، ورجع إلى منـزل أبويه، فدق الباب فقيل: من بالباب؟ فقال: معروف، فقالا له: على أي دينٍ أنت، فقال: علي الدين الحنيفي، فأسلم أبواه فوافقاه.
قال حجة الإسلام رضي الله عنه: قال السرى: رأيت معروف الكرخي رضي الله عنه في المنام كأنه تحت العرش والله عز وجل يقول للملائكة: من هذا؟ فقالوا: أنت أعلم ياربنا، فقال: هذا معروف الكرخي سَكَر من حبِّي، فلا يفيق إلا بلقائي.
ومن كلامه رضي الله عنه: ما أكثر الصالحين وأقل الصادقين في الصالحين، وقال: إذا أراد الله بعبده خيرًا فتح عليه باب العمل وأغلق باب الجدل، وإذا أراد الله بعبده شرًّا أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل.
وقال له رجل: أوصنى، قال: توكَّل على الله تعالى حتى يكون هو معلمك ومؤنسك وموضع شكواك فإن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك.
وقال رضي الله عنه: علامة مقت الله للعبد أن يراه مشتغلاً بِمَا لايعنيه من أمرِ نفسه، وطَلَبُ الْجَنَّةَ بلا عملٍ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنوب، وانتظارُ الشفاعة بلا سبب نوعٌ من الغرورِ، وارتجاء رحمةَ من لايطاع حُمقٌ وجَهْلٌ.
وقيل له: ما علامة الأولياء ؟ قال: ثلاثة؛ همومهم بالله تعالى، وشغلهم به، وفرارهم إليه.
وقال: قلوب الطاهرين تنشرح بالتقوى وتزهو بالبر، وقلوب الفُجَّار تظلم بالفجور وتعمى بسوء النية. وإذا أراد الله بعبده خيرًا فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الفترة والكسل.
وله رضي الله عنه أحوالٌ عجيبة، وهو ممن جمعت القلوب على محبته.
قال شارح «النفحات القدسية»: أبو محفوظ الكرخي مِمَّن يمد في الحياة والممات كالشيخ عبد القادر وأصحابه الأربعة.
وله كرائمٌ شهيرةٌ:
يُحكى عنه: إنه كان مع أصحابه عشيةَ يومٍ، فلما أصبحوا فإذا بزلقة في وجهه، فسأله بعضهم، فقال له كنا معك بالأمس ولم يكن في وجهك أثرٌ كهذا الأثر الذى أرى بك الآن.
قال: سَلْ عما يعنيك، قال له: بمعبودك إلا ما أخبرتني، قال: لما أكملت البارحة وردى، اشتقت إلى مكة، فإذا أنابها فطفت بالبيت سبعًا ثم ركعت بالمقام، ثم مِلت إلى زمزم؛ لأشرب من ماءِه تبركًا، فزلقت، فوقع لي ما رأيت.
ويحكى عنه: إنه أتاه خليل الصياد قال له: يا أبا محفوظ إن ولدي محمد قد تاهَ زمنًا طويلاً، فوجدنا عليه وجدًا شديدًا، وأمه لا راحة لها عليه، قال له: وما تريد أن أصنع؟ قال: تدعو الله عز وجل أن يرده علينا، فقال: اللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك، وما بينهما لك، ائتِ بمحمد.
قال خليل الصياد: فخرجت من عنده وذهبت إلى باب الشام، وإذا أنا بابني محمد واقفٌ، فقلت: ولدنا هذا! فقال: يا أبتي الساعة كنت بالأنبار ولا أدري كيف أمري! فقلت يا بني دعوة معروف جلبتك إلينا أو كما قال له.
وكان يقول لنفسه: أخلصي تخلصي، قلت: أخلصي في الأقوال والأفعال والأحوال لله عز وجل؛ تخلصي من العقاب والعتاب وسوء الحساب.
قال حجة الإسلام: كان أبو محفوظ مع جماعة من أصحابه على دجلة؛ إذ مر بهم أحداث في زورق يضربون الدُّف والعود، ويشربون الخمر، ويلعبون بين رجالٍ ونساءٍ.
فقالت الجماعة: ادع الله عليهم هكذا يغضبون الله مجاهرين، فرفع يديه وقال: إلهي! كما فرَّحتهم في الدنيا فرِّحهم في الآخرة.
فقالوا له: إنما سألناك أن تدع عليهم لا لهم، فقال لهم: إذا فرَّحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولا يضركم من أمرهم شيئًا.
فروي أنهم في الحين تابوا إلى اللهعز وجل على يد معروف، فاعتزلت النساء بجهةٍ فاغتسلن، والرجال بجهةٍ فاغتسلوا، وحسنت توبتهم ببركته.
ومن كلامه الذى رواه عن الثقات قال:
قال الله تعالى: «أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيّ الْمَسَاكِين الذَّين سَمِعُوا قَوْلِي، وَأَطَاعُوا أَمْرِي، وَمِنْ كَرَامَاتِهِم عَليَّ ألا أُعْطِيهُم دُنْيَا؛ فَيَنقَلِبُونَ بِهَا عَنْ طَاعتي».
قال السري رضي الله عنه : قيل لِمعروف عند موته أوصى قائلاً: إذا مِتُّ فتصدَّقوا بقميصي؛ فإني أريد أن أخرج من الدنيا كما دخلتها.
وقال رضي الله عنه: التصوف: الأخذ بالحقائق .
وقال محمد بن الحسين: سمعت أبي يقول: رأيت معروف الكرخي في المنام فقلت له: ما فعل الله بك ؟ فقال: غفر لى فقلت: بزهدك وورعك، قال: لا بقبولي موعظة ابن السماك، ولزومي الفقر، ومحبتي للفقراء.
فأما موعظة ابن السماك قال: كنت مارًّا بالكوفة؛ فإذا برجل يعظ الناس، فوقفت عليه فإذا هو محمد بن السماك، فقال لي في خلال كلامه: من أعرض عن الله بكليته, أعرض الله تعالى عنه جملة، ومن أقبل على الله بقلبه أقبل الله إليه برحمته وأقبل بوجوهِ جميع الخلق إليه، ومن كان مرة ومرة فالله تعالى يرحمه وقتًا ما.
فوقع كلامه في قلبي، وأقبلت على الله عز وجل، وتركت كل ما كنت فيه إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضي t, ثم ذكرت هذا الكلام لمولاي, فقال لي: يكفيك موعظة لي إن اتعظت.
ثم صحب داوود الطائي وانتفع بصحبته كثيرًا كما انتفع بخدمة مولاه.
وأما شيخه أبو سليمان داوود الطائي رضي الله عنه : كان كبير الشأن في الزهد والورع.
قيل: إنه ورث عشرين دينارًاٍ، فأكلها في عشرين سنة.
ويحكى عنه: إنه كان مهما حجم له الحجام أعطاه دينارًا، فيقال له: هذا إسرافٌ, فيقول له: من لا مروءة له لا دين له.
تُوفي رحمه الله عام خمس وستين ومائة وألف.
ويحكى: إن سبب موته أنه كان يقرأ في ورده، فمر بآيةٍ فيها ذكر النار، فجعل يكررها في ليلته حتى أصبح مريضًا، فوجدوه قد مات ورأسه على لبنةٍ وليس في بيته شيءٌ من متاع الدنيا.
قال حجة الإسلام: سبب زهده أنه كان يمر في بعض أزقة بغداد، فنحاه المطرقون، فالتفت فرأى جميل الطوسي, وكان قبل ذلك من أبدال الناس الحاملين الذكر, ثم رفعته الدنيا فكانت له مع بني العباس رفعة، فقال لنفسه: أفٌّ لدنيا سبقك إليها جميل، فلزم بيته والجد والحزم حتى بلغ مبلغًا قَلَّ من بلغه من الأفراد, وقيل أن سبب زهده أنه سمع بالجبانة نائحة عند قبر وهى تندبه وتقول:
بِأَيّ خَدَّيْك تَبْدَأُ الْبَلا وَأَيُّ عَيْنَيك إِذَا سَالا
وقيل: كان سبب توبته أنه كان يجالس أبا حنيفة رضي الله عنه فقال له أبو حنيفة يومًا: يا أبا سليمان, أما الآلات فقد أحكمناها.
قال له داوود: فما بقى؟ قال: العمل، قال: فنازعتني نفسي إلى الخلوة والعزلة, فقلت لنفسي حتى أجالسهم ولا أتكلم في شيءٍ قال: جالستهم سنة لا أتكلم في شيءٍ, وكانت المسالة تمر بي وأنا في الكلام فيها أشد نزاعًا من العطشان إلى الماء، ولا أتكلم، ثم صار أمره إلى ما صار. وقد ذكر هذا صاحب النجم, وكذلك الحافظ والأستاذ القشيري وعلى هذا النمط.