فصل في من حضر السماع
بالدف والشبابة من مشاهير العلماء المتأخرين من أهل المشرق ومن أهل المغرب.
فمن أهل المشرق: الشيخ عز الدين بن عبد السلام، حكاه عنه غير واحد من العلماء في كتبهم: ذكر ذلك الأدفوي في كتابه: الامتاع بأحكام السماع.
قال الشيخ الإمام ابن القماح: سئل الشيخ عز الدين عن الآلات كلها: فقال: مباح: فقال الشيخ شرف الدين التلمساني: يريد أنه لم يرد دليل صحيح من السنة على تحريمه، يخاطب بذلك أهل مصر فسمعه الشيخ عز الدين، قال: لا، أردت أن ذلك مباح.
وحضر السماع بالدف والشبابة الشيخ: تاج الدين الفزاري شيخ دمشق ومفتيها وحضره غير مرة. قال في كتابه الذي سماه: نور القبس: إنه كان في عصره شيخ مقعد فإذا غشيه الحال في السماع قام منتصبا زمانا طويلا كأصح الرجال.
وحضر السماع الإمام الحافظ الورع المجتهد: تقي الدين بن دقيق العيد غير مرة بالشبابة والدف. قالوا: ولما حضر بإسنا عمل لأجله سماع بالشبابة والدف، وكان المغني يغني والشيخ تقي الدين والشيخ بهاء الدين القفطي – تلميذ والد الشيخ – والفقهاء العدول حاضرون، والفقراء يرقصون في السماع. قال الأدفوي: فقيل للشيخ ابن دقيق العيد: ما تقول في هذا الأمر؟ قال: لم يرد حديث صحيح على منعه، ولا حديث صحيح على جوازه، وهذه مسالة اجتهاد: فمن اجتهد وأداه اجتهاده إلى التحريم قال به، ومن اجتهد وأداه اجتهاده إلى الجواز قال به، وأحضر أهل هذا السماع – الذي حضره الشيخ تقي الدين – الشيخ عليا الكردي نفعنا الله به، وحصل للجماعة حال وغيبة عظيمة، ثم حضرت الصلاة فتقدم بعض الجماعة للإمامة فقال الشيخ تقي الدين: حصل في نفسي شيء، فقلت: لو أنه توضأ؟ فلما فرغت الصلاة قال لي: الشيخ ما غاب غيبة يحصل بها نقض الوضوء. وكذلك لما حضر بأخميم، وحضر لحضور الشيخ جماعة أيمة، قال شهاب الدين بن عبد الظاهر: رأيت الشيخ تقي الدين وقد حصلت له غيبة وهو يتمشى ويقول: أرى السماع – لمثل هؤلاء – قربة. وسأل الشيخ شهاب الدين الدشناوي الشيخ تقي الدين – وهو يومئذ قاضى القضاة – : ما تقول في السماع ؟ فقال: هو مباح. قلت: بالشبابة والدف ؟! قال: إياه أعني. وقال الشيخ شمس الدين القماح: سمعت الشيخ تقي الدين يقول – في درس جامع ابن طولون – حضرت سماعا وفيه فقير وأن القوال غنى قصيدة ابن الخياط التي أولها:
خذِا من صبا نجد أمانا لقلبه فقد كاد ريّاها يطير بلبه
إلى أن قال:
وفي الركب مطوي الضلوع على جوى متى يدعه داعي الغرام يلبّه
وإن الفقير حط رأسه، وقال: لبيك، ومات رحمة الله عليه. قالوا وسمعه غير مرة الإمام قاضي القضاة: بدر الدين بن جماعة بالشبابة والدف، وشاهد فيه من بعض الصلحاء أحوالا عظيمة وحضره شيخ الشيوخ والعلماء: شمس الدين الأصبهاني الشارح المصنف الشهير مرات كثيرة، والشيخ النقوشاني، والشيخ: علاء الدين التركماني، والشيخ شهاب الدين الكركي.
ومن المغرب: حضره السلطان أبو الحسن: سلطان فاس المحروسة مع مشاهير من المفتين والمصنفين، فمنهم الإمام أبو زيد وأبو موسى، ولم يكن لهما نظير في عصرهما، وحضره الإمام حافظ المغرب: أبو عبد الله: محمد السطي، والإمام أبو عبد الله الأبلي أحد شيوخ الإمام ابن عرفة، ولقي هذا الإمام – في سياحته – الخضر وأخذ عنه الأسماء الحسنى، والإمام: القوري. والإمام أبو عبد الله بن عبد الرزاق الجزولي والإمام أبو الفضل المردعي، والإمام أبو عبد الله الصفار، والإمام أبو عبد الله بن الحفيد السلوي والإمام حافظ عصره ومحدث وقته: أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي، وهذا الإمام الحضرمي عبد المهيمن قال في حقه الأستاذ:ابن حيان:
ليس في المغرب عالم غير عبد المهيمن
نحن في العلم إسوة أنا منه وهو مني
بالتخفيف وهي لغة: والإمام أبو عبد الله الرندي، وإمام بجاية وحافظها أبو عبد الله بن المسفر والإمام أبو محمد بن الكاتب، وإمام عصره أبو عبد الله بن عبد السلام: شارح ابن الحاجب، والإمام أبو عبد الله ابن هارون: المصنف الشهير، والإمام أبو عبد الله محمد الأجمي: قاضي القضاة، وكانت تبدو منه العجائب من الأحوال وقت السماع. قال الشيخ: وممن رأيته يغيب وتبدو منه أحوال ومكاشفات وكرامات – في السماع – الشيخ محمد النحاس. بالقاهرة المحروسة: قلت: وسمعت من غير واحد عن الشيخ الإمام قاضي القضاة: شمس الدين البساطي رحمة الله عليه أنه كان يرقص في السماع بالدفوف والشبابة، وأخبرني من شاهده وهو معتنق مع ولي الله الكبير الشهير سيدي: علي بن وفا: رضي الله عنه يرقصان بالدف والشبابة، وهذا مشهور عنه. وعمل سماع بالشام أيام وفور الناس بها وحضره كل عالم ومفتي كان بها حتى قيل: لو وقع عليهم سقف لم يبق بها عالم ولا مفتي.
ومن له اتساع علم، وذوق ومشرب ورقة طبع أدرك معنى السماع، ومن حرم ذلك فهو حمار هالك، وما يعقلها إلا العالمون.