مخطوطة : مشارق الأنوار النبوية من صحاح أخبار المصطفوية (مختصر الشفا)
تأليف : رضي الدين حسن بن محمد بن حسن الصنعاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القويّ الذي عجزت عن إدراك كنهه عقول العقلاء، وتحيّرت في بيداء ألوهيّته أوهام العلماء، العفوّ الذي تجاوز عن العمد والخطأ، ويغفر دون ذلك لمن يشاء، والصلاة والسلام على رسوله محمد خاتم الأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأصفياء.
أما بعد : فلمّا وقع نظري في الكتاب المسمّى ب"الشِّفا في تعريف حقوق المصطفى" صلى الله عليه وسلم، أردت أن أخرِّج من ذلك الكتاب، هذا الباب المستطاب الذي في فضائل الصلوات، على سيّد الكائنات، لأنّها وسيلة لقبول الأعمال، ووصول الآمال، ولئن فاتني من الناس الثناء الجميل في الحال، فحسبي ما أرجو من الثواب الجزيل في المآل، وما توفيقي إلا بالله، وهو حسبي ونعم الوكيل.
قال القاضي العياض بوَّء الله مسكنه في الرّياض :
الباب الرابع في حكم الصلاة عليه والتسليم وفَرضِ ذلك وفضيلَتِهِ
قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} قال ابن عبّاس رضي الله عنه : معناه : "إنّ الله وملائكته يُباركون على النبي"، وقيل إن الله يترحَّمُ على النبيّ، وملائكتَهُ يَدعُون له، قال المبرّّدُ : "وأصل الصلاةِ التَرحُّمُ، فهو من الله رحمةٌ ومن الملائكة رِقَّةٌ واستدعاء الرَّحمة من الله"، وقد ورد في الحديث صفَةُ صَلاة الملائكة على من جلسَ ينتظر الصلاةَ : "اللهمّ اغفر له اللهمّ ارحمه" فهذا دعاء. وقال بكر القشيري : "الصلاةُ من الله تعالى لِمَن دونَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم رحمةٌ، وللنبيّ صلى الله عليه وسلّم تَشريفٌ وزيادةُ تَكَرُّمِهِ". وقال أبو العالية : "صلاة اللهِ ثناؤُهُ عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكةِ الدُّعاء". قال القاضي أبو الفضل : وقد فرَّق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تعليمِ الصلاةِ عليه من لفظِ الصّلاةِ ولفظِ البركة فدلّ أنّهما بمعنيين، وأمّا التسليمُ الذي أمرَ اللهُ تعالى به عبادَهُ فقال القاضي أبو بكر بن بُكير ك نزلت هذه الآيةُ على النبي صلى الله عليه وسلم فأمرَ الله أصحابَه أن يسلِّموا عليه وكذلك مَنْ بَعدَهُم أُمِرُوا أن يُسَلِّمُوا على النبي صلى الله عليه وسلم عند حُضورِهم قبرَهُ وعند ذِكرِه، وفي معنى السلام عليه ثلاثة وجوهٍ : أحدها : السلامةُ لك ومعَكَ ويكون السلامُ مصدراً كاللّذاذِ والّلذاذة، الثاني : أي السلام على حِفظِك ورِعايتِك مُتَؤَلٍ له وكفيلٌ به ويكون منا السلام اسم الله، الثالث : أنّ السلام بمعنى المُسالمةِ له والانقياد كما قال تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
يتبع ...