كما ورد فيمن ترك الإكثار الوعيد الشديد، فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لم يكثر ذكر الله فقد برئ من الإيمان) كذا في الدر المنثور، وكأنه يشير إلى قوله تعالى في المنافقين {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} يوضحه حديث الطبراني عن أبي هريرة : (من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق) فإكثار الذكر على عموم الأحوال التي منها الجهر علامة الإيمان ومنتج السبق لقوله صلى الله عليه وسلم : ( سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ " ، قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ) رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، وقوله : ( يَا مُعَاذُ ، أَيْنَ السَّابِقُونَ ؟ " فَقُلْتُ : مَضَوْا وَتَخَلَّفَ نَاسٌ . فَقَالَ : إنَ السَّابِقينَ الَّذِينَ يَهْتِرُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْتَعَ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه ابن راهوية عن معاذ، قال الحافظ بن حجر : "ويهترون بكسر المثناة الفوقانية معناه : "يديمون" والمفرّدون بتشديد الراء وبتخفيفها والتشديد المشهور والراء مفتوحة وقيل مكسورة يقال : فرد الرجل مشددا ومخففا وتفرد وانفرد والكل بمعنى، انتهى.
ومنها : الحديث الصحيح (اذكُرُوا الله حتَّى يَقُولُوا مَجْنُون) أخرجه الإمام أحمد وابن عدي والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا قال العزيزي في السراج المنير قال المناوي صححه الحاكم واقتصر ابن حجر على تحسينه وحديث ابن عباس مرفوعا عند الطبراني : ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّكُمْ مُرَاءُونَ ) وحديث أبي الجوزاء مرسلًا عند سعيد بن منصور والإمام أحمد في الزهد والبيهقي : "اذكروا الله حَتَّى يَقُولَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّكُمْ مُرَاءُونَ " ودلالتهما على المطلوب ظاهرة لأن ذلك كما قال السيوطي في نتيجة الفكر إنما يقال عند الجهر دون الإسرار.
فنقول الذكر جهرا مأمور به من غير تعيين وقت، ولا شيء من المأمور به بحرام، فلا شيء من الذكر جهرًا بحرام وهو المطلوب، وفي الحديث تحذير للمنكرين للجهر وتنبيه على أن الذاكر بالجهر المخلص ينبغي له أن لا يبالي بكلام الناس، ولا يترك الذكر وإن قيل فيه أنه مجنون أو مراء، وله في ذلك إسوة بمتبوعه المعصوم صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى :{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} فقال تعالى في ردِّهم : {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} وقال تعالى في أول السورة : {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ. مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ. وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال البيضاوي : "إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله أمثالك" فالكامل في الاتباع لا بد له من تحمل الأذى وتوطين النفس على ذلك والصبر عليه تخلقا، فإن ذلك من لوازم أهل الطريق إذا صحَّ الانتساب، سنة الله في الذين خلوا والله المستعان.