والزجر لغة المنع والنهي وعند القوم سيأتي، وقوله فما هو الضير عائد لحالة الزجر وذكِّره كأنَّ خبره مذكِّر وهو إلّا البر إلى آخره، والمبتدأ إذا كان ضمير أو كان بين مبتدأه وخبره مخالفة بالتذكير والتأنيث يجوز تذكيره وتأنيثه والبِر الأول بكسر الباء بمعنى الصلة والخير وتسارع الإحسان، والثاني بفتحها من أسمائه تعالى وتقدَّس، معناه فيه المحسن الذي منه كل مبشرة وإحسان الموصل ذلك إلى خلقه بلطفٍ ورحمة من غير استشراق إلى جزاء وعوض منهم ، وفيه مناسبة للمقام والمنح. العطايا جمع منحة وبين قوله البِر والبَر التجنيس المُحرى مثل البرد والبرد من قولهم جبة البرد جنة البرد وسمي محرفا لانحراف إحدى الهيئتين عن الأخرى. يقول والله أعلم : إذا بدا وظهر للعبد من باطنه على ظاهره أو في باطنه الذي هو خزنة من خزائن الملكوت حال النهي عن المخالفات والزجر عن المنهيات فما هو الأخير وعطية من مواهب الله وعطاياه لديه لأنه ليس له في ذلك كسب ولا تعمل، وإنما هي عناية من الحق تعالى وتقدَّس؛ سبقت له ومعونة من الله لحقته، ورحمة من الله غَمرته، فيعلم أنه عبد منظور إليه متدارك حيث فض طابع قلبه وجعل فيه واعظ قائم، وزاجر مؤيد، وفي الخبر : "إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له زاجرًا من نفسه وواعظاً من قلبه" وسيجيء أن الأحوال مواهب، وأصل البيت في العوارف أثر ما قدَّمناه من غير فصل، أولها بحر الإيمان التوبة وهي في مبدأ صحتها تفتقر إلى أحوال، وإذا صحَّت تشتمل على مقامات وأحوال، ولا بدَّ في ابتدائها من وجود زاجر، ووجدان الزاجر حال، لأنه موهبة من الله تعالى على ما تقرّر أنَّ الأحوال مواهب وحال الزجر مفتاح التوبة ومبدأها، قال رجل لبشر الحافي : "مالي أراك مهموماً ؟ قال : لأني ضال مطلوب ضللت الطريق والمقصد وأنا مطلوب به، ولو تبيَّنت كيف الطريق إلى المقصد لطلبت، ولكن سنة الغفلة أدركتني وليس لي منها خلاص إلى أن أزجر فأنزجر"، قال الأصمعي : "رأيت أعرابيًا بالبصرة يشتكي عينه وهي يسيل منها الماء فقلت : ألا تمسح عينيك ؟ فقال لا لأنَّ الطبيب زجرني ولا خير فيمن لا ينزجر" فالزاجر في الباطن حال يهبها الله تعالى ولا بدّ من وجودها للتائب.
آخر الأخبار
جاري التحميل ...