ثم قوله فيه :
ونسألك سر الأسرار المانع من الأضرار
قد فسره واضعه في كلام له بأنه مدد العلم والمعرفة وروح القربة والاصطفاية والتخصيص والتولية، ويشير لسر البقاء.
وفي حزب الفتح لابن وفا رضي الله عنه "وأحينا بروح القرب، وانفحنا بروح الشوق، واحجب أبصارنا بنور جمالك عن مشاهدة الأغيار، وضيّق علينا بقربك حتى نشاهدك أقرب إلينا من كل شيء".
(هذا) وقد قيل، وإنما كان حصول ذلك مانعًا من الأضرار، لأن ذلك نور وارد من حضرة الله، وسر متلقى من الله، فله قوة الدفع للباطل وللسوى جملة للمضادة النور الساطع للظلام، فلا يجامعه بل يذهبه ويمحو رسمه وأثره، ولا بقاء للأغيار مع سطوع أنواع المعارف والأسرار، وبذلك يحصل تبري العبد من حوله وقوته على دوام أوقاته.
ويقال : من لم يكن له سر فهو مُصر.
وقال الشاذلي رضي الله عنه : "من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصرًّا على الكبائر وهو لا يشعر".
ويقال : من لم يكن له سر فهو مُصر.
وقال الشاذلي رضي الله عنه : "من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصرًّا على الكبائر وهو لا يشعر".
وإنما سأل ذلك دون الوقوع في الذنب جملة، لأنه متعذر من غير المعصوم كما قيل :
من ذا الذي ما ساء قط ؟ ومن له الحسنى فقط
وأجيب قائله بأن قيل له :
محمد الهادي الذي عليه جبريل هبط
ولما كان متعذراً من غير المعصوم، أثنى الله على من لم يصر بقوله : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ}ولم يقل تعالى "ولا يفعلون" مع أنه مظهر العفو والغفران.
وقد قال عليه الصلاة والسلام : (لو لم تُذنِبوا لذهبَ اللهُ بكُمْ ولجاءَ بقومٍ يُذنبونَ ثمَّ يستغفرونَ فيغفرَ لهُم).
وفي دعاء لواضع الحزب رضي الله عنه : "اللهم صلني باسمك العظيم الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء، وهب لي منه سرًّا لا تضر معه الذنوب شيئًا" يعني لعدم الإصرار ولاندراج أسمائه وصفاته في أسماء الحق وصفاته، فلا شعور له حينئذ بنسبة شيء إليه مما يجري عليه.
وإليه يشير قول الإمام الجنيد رضي الله عنه : (وكان امر الله قدرًا مقدورًا) لما قيل له : (أيزني العارف ؟) وفيه إيماء لسر الفرق بين معصية الولي والفاجر.
وقد قال الشيخ سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه : إن الفرق بين معصية المؤمن والفاجر من ثلاثة أوجه :
- المؤمن لا يعزم عليها قبل فعلها.
- ولا يفرح بها وقت الفعل.
- ولا يصر عليها بعد فعلها.
والفاجر ليس كذلك.
وبذلك يتضح لك حديث (فحج آدم موسى) وأن الذي جرى عليه كان بمطالعة قدر سابق وأنه ليس ذلك لغيره، إلا لمن كان شبيهًا به منه، كأن يكون من أهل الغيبة في الباطن، بحيث يكون كالنائم، فإن لم يكن نائمًا فيعذر لما قهره من وارد الحق، واصطلمه من تصرفات الجبر، وذلك خاص بأهله، فليسلم لهم في الجملة، على أنه قد يعمل بالقدر إن لم يكن على وجه لانتصار للنفس والاحتجاج لها لمناقضة ذلك بالعبودية، بل لمجرد إخبار عن قدرة الله تعالى عليه، ونفوذ تقديره فيه، مع شدة افتقار ودوام انكسار، وقد يحمل على ذلك حديث (حج آدم موسى).
وفي الحكم : إن القضاء والقدر غلباني اعتذارًا واعترافًا، والله عز وجل أكرم من أن يرد عذر من اعتذر إليه أو يخيب أمل من اعترف بذنبه أو أقر بعجزه إليه.