آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح صلاة القطب ابن مشيش لابن عجيبة - 21

ولمّا كان الجمع الحقيقي، الذي تصحبُهُ النُّصْرَة والسُّرور، ولا تعتَريه غفلةٌ ولا فتورٌ، إنما تكونُ بعد البَعْثِ والنُّشُورِ، تَلاَ على رُوحهِ هذه الآية، على مذهب تفسير أهل الإشارة، تسلية لها فقال : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ} أي إنَّ الذي فرض عليك أحكام القرآن، والعمل به لرادك إلى معادٍ عظيمٍ، فتتَّصِل بمحبوبكَ على الدَّوام، وأمّا دار الدُّنيا فهي دارُ أهوالٍ ومَنزِل فرقةٍ وانتقالٍ، لا تستغربْ وُقُوع الأكدار، ما دُمتَ في هذه الدَّار، فإنما أبرَزتْ ما هو مستحِقٌّ وَصْفَهَا، وواجب نَعْتها، ثم ذكر دعاء أهل الكَهف، تشبيهًا بهم في التَّبتُّل والانقطاع إلى الله، والفرار مما سواهُ، فقال : (رَبَّنَا آتِنَا) أي : اعطِنا وامْنحنا (مِنْ لَّدُنْكَ) أي : من مستبْطِن أُمورك؛ لأنَّ لَدُنْ، تدلُّ على الاتصال والقُربِ أكثرَ من عندَ. أي : هبْ لنا من خزائن فَيضكَ (رَحْمَةً) عظيمة تضمُّنا وتوحُّشا من غيرك. و(هَيِّءْ) أي : واجعل ؛ (لَنَا مِنْ أَمْرِنَا) كُلِّهِ (رَشَدًا) أي : صوابًا. والمعنى، واجعلْ أمرنا كُلَّه رشدًا وصوابًا لمُوافقتِهِ لمحابِّك ومرضاتك؛ وهذا يسمَّى عند أهل البيان : التجريد. ومعناه : أنهم إذا بالغوا في الشيء، جَرَّدوا منهُ نوعًا آخر من جنسه كقولك : لقيتُ من زَيْدٍ أسَدًا، مبالغةً في شجاعته. وقولك : لي من فُلان صديق رشدًا، حتى كأنه جرَّد منه رشدًا آخر، والله تعالى أعلم.

وهذا آخر التَّصْلية في النُّسخ العتيقة، وزاد بعضهم : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. وفي الآية ما يدُلُّ على تعظيم أمر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث بدأ الحق سبحانه وتعالى بنفسه، وثنى بملائكة قُدسِهِ، وثَلَّثَ بالمؤمنين من جِنِّهِ وإنسِهِ، فهو أعظم من الأمر بالسجود لآدم عليه السلام. "إنَّ الله يرحم آدم فاسجدوا له" وفي الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام، فوائد كثيرة، ولها ثمرات عديدة، ذكرها ابن فرحون وغيره، فلا نطيل بذكرها. فلا ينبغي للفقير أن يُهمل نفسه منها، فإن كان سائراً ختم ذكره بها، وبدأ بها، وإن كان متمكِّنًا استغرقَ أوقاته فيها بالفكرة، ثم امتثل أمر الخالق فقال : "صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما" وفي وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونَدْبِهَا خِلاف المشهور، والمشهور أنَّها واجبة مرَّة في العُمُر، ثم يبقى الاستحباب، فلا يهمل نفسه منها إلاّ محروم، ثم ختمَ بذكرٍ ورَدَ عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال : "من أرادَ أن يكتالَ بالمِكيالِ الأوفى، فليكُنْ آخر دعائه : سُبحان ربِّكَ ربِّ العزَّةِ عمَّا يَصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين". أي تنزيهًا لربِّكَ، ربِّ العزَّة عمَّا يصفه به الكفرة، من الشريك والولدِ، وفيه إشارة إلى عزِّه ونصرِهِ عليه السلامُ، لأنَّ ربّ العزَّة، لا بُدَّ أن يُعِزَّ عَبْدهُ المختصّ به. وسلامٌ، أي : طيب وتحية، وإكرام على المرسلين المختارين لسِرِّ وحْيه، والحمد لله رب العالمين، على نصرِ أحِبَّائه وجنوده، جعلنا الله من جُنْده المنصور؛ أهل الخبرة والسرور آمين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

انتهى

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية