آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الكوكب الوقاد في ذكر فضل المشايخ وحقائق الأوراد

وقد يكون الوحيُ بمعنى الأمر كما في قوله تعالى : {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا}وقد يكون الوحي بمعنى الإلهام المجرَّد عن العلم لكونِه لغَيْر المكلفين كما يشهد بذلك قوله تعالى : {وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} الآية، فكل نبوَّة وحْيٌ وليسَ كل وحي نبوَّة. قال ابن عبَّاس رضي الله عنه : (أصل الوحي الإشارة الخفية وذلك يكون بالكلام على سبيل الرَّمز والتَّعريض، وقد يكون بصَوت مجرَّدٍ) ويقالُ للكلمةِ الإلهية التي يُلقيها إلى أنبيائه وحيٌ وإلى أوليائه إلهام وإيماء إلى تسخيرهِ لِما خُلق له. ومنه قوله تعالى : {وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} يعني أنَّهُ سَخَّرها لِمَا خلقَها وألهمها رُشدها وأقدَرها في أنفسها على هذه الأعمال العجيبة التي تعجز عنها العُقلاء في البشر، وذلك أنَّ النحل تبني بُيوتًا على شكل مسدس من أضلاع متساوية لا يزيد بَعضها على بعضٍ بمجرَّد طباعها ولو كانت البيوت مدورة أو مثلثة أو مربَّعة إلى غير لك من الأشكال لكان فيما بينها خلل ولما حصَل المقصود، فألهمها أن تبني الخلية على ذلك الشكل، وألهمها تعالى أن تجعل على أنفُسها أميرًا كبيرًا نافذًا للحكم فيهم وهم يُطيعونهُ ويمتثلون أمرَهُ، ويكون هذا الأمير أكبرهم جثَّةً وأعظمهم خلقةً ويسمَّى بيعسوب النحل أي ملكهم. (حكاه الجَوهري) وألهمها سبحانه أن تجعل على كل خلية بَوابًا لا يُمَكِّن غير أهلها من الدُّخول إليها، وألهمها أيضًا الخروج من بيوتها فتدور وترعى ثم ترجع إلى بيوتها فلا تضلُّ عنها، ولمَّا امتاز هذا الجنس الضعيف بهذه الخواص العجيبة الدَّالة على مزيد الذكاء والفطنة دلَّ ذلك على الإلهام الإلهي فكان بهذا الاعتبار شبيهًا بالوحي فلِذا قال تعالى : {وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} والنحل زنبور والعسل يسمَّى الدب أيضا. قال الرّجّاج : إنما سمي هذا الحيوان نحلا لأنَّ الله تعالى نحلَ النَّاس العَسل الذي يخرج من بطونِها قال تعالى : {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} ومعنى النحلة العطاء الذي لا تباعة فيه ولا منَّة قال تعالى : {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} فهي تذكر وتؤنِّث، وذكر الجوهري أنه مؤنثة في لغة الحجاز ولهذا المعنى أنَّثها تعالى في كتابه كما في قوله تعالى : { أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} فتبني وتسقف وذلك أنَّ النحل منهُ وحشِيٌّ وهو الذي يسكن الجبال والشجر ويأوي إلى الكهوف، ومنه أهليٌّ وهو الذي يأوي إلى البيوتِ ويُربِّيه الناس عندهم ،وقد جرت العادة أنَّ الناس يبنون للنحل الأماكن حتى تأوي إليها قال ابن زيد : أراد بالذي يعرشون الكرُوم، ثم أمرها تعالى بالأكل من كل الثمرات وكلهما بمعنى البعض، يعني من بعض الثمرات لأنها لا تأكل جميع الثمرات ولذلك صارت لفظة "كل" هنا هنا ليست للعموم، ثم ألهمها تعالى أن تسلك السبل بإذنه وهي الطرق التي ألهمها الله أن تسلكها بإذنه وترحل فيها لأجل طلب الثمرات، فذلل الله سبحانه لها تلك الطرق مسهلا لها مسالكها قال مجاهد : لا يتوعَّر عليها ، فكان تسلكهُ واختُلِف في إعرابه "ذللا" فقيل إن اللفظة نعت للسُّبُل وقيل وصف النحل لأنَّها مذللة مسخرة لأربابها مطيعةٌ منقادةٌ لهم حتى قيل أنهم ينقلونها من مكان إلى مكان آخر حيثُ شاء ولا تستعصى عليهم ولا تمتنع كما يمتنع النحل البري فيمن يحاول اجتناء عسُولها فتلسَعُهُ بمناقرها فلا ينالها إلا بعد مشقة وتدخين فيخرج بقدرة الله تعالى ما بين أبيض وأحمر وأصفر إلى غير ذلك من ألوان العسَل وذلك على قدر ما تأكل من الثمار والأزهار فيستحيل في بطونها عسلا بقدرة الله تعالى مم يخرج من أفواهها يسيل كاللعاب.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية