العارف بالله سيدي علي المعروف بالجمل، من شيوخ التربية النبوية. وقد طلع نجمه في المغرب، وورث سره أتباعه، وعلى رأسهم مولاي العربي الدرقاوي الحسني ونقل عنه في مؤلفاته، سيدي أحمد بن عجيبة. وقد أشفى الغليل عنه العلامة الأستاذ سيدي جعفر الكتاني في كتابه (سلوة الأنفاس) فهذا محصّله، ومبدؤه من قوله : "ومنهم الشيخ العارف بالله، سيدي علي بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن إبراهيم بن عمران، الشريف الحسني الإدريسي العمراني، من شرفاء بني عمران، أهل قبيلة بني حسان، الملقب بالجمل، لأنه وجد بعيراً راقداً في الطريق فرفعه ووضعه خارجه، فرآه شخص فقال : إنه الجمل، فتعارف بهذا الاسم".
وكان أول أمره بمدينة فاس، متصلاً بالمخزن ووزيرا في المملكة، ثم تنازل عن العز الدنيوي، وغادر فاساً إلى تونس، في عهد السلطان أبي عبد الله محمد بن أمير المؤمنين مولاي إسماعيل، خوفاً على نفسه. فلقي في تونس مشايخ انتفع بهم، وبعثوه إلى وزان، عند الشيخ سيدي الطيب الوزاني ووصل عنده عام ثلاثة وخمسين ومائة وألف هجرية، ثم بعثه مولاي الطيب إلى فاس في نفس السنة، وقرأ بها ما شاء الله من التصوف، على الشيخ أبي عبد الله جسوس، وصحب العارف بالله، أبا المحاسن سيدي العربي بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي، ولزم خدمته ستة عشر عاماً، فانتفع به غاية النفع، وسمع منه الأسرار ما لا حصر له.
ولما توفي شيخه سيدي العربي رضي الله عنه بنى لنفسه زاوية بالرميلة حيث ضريحه بمدينة فاس. وكثر أتباعه، وكان رضي الله عنه آخداً بالشريعة في جميع أحكامها لا يتعدى أمرها، ويلبس تارة أفخر الثياب، وتارة رثّها. وكان يمد يده للسؤال لقوم مخصوصين، وأكثر ما تراه جالسا في القرويين، بالباب المظلم، دائم الفكرة، كثير العِبْرة والعَبْرة، وإذا كلمته وجدت منه بحراً زخّاراً بالعلم والعرفان.
وكان من أجل شيوخ الطريق، من أهل تجديد الظاهر والباطن معاً، ذاكراً خاضعاً متواضعاً، مولعاً بالوحدة، وغريقاً في العلوم الموصلة إليها، وكان مستغرق الأوقات في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، يقظة ومناماً. حتى كان يقول : "إن خطر ببالي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدته هو وأصحابه العشرة، حاضرين بين يدي حسّاً لا معناً، ونتكلم معهم، نأخد العلم من عين العلم، والعمل من عين العمل".
وكان تلميذه مولاي العربي الدرقاوي يقول فيه : "والله ما كان شيخنا مولاي علي الجمل إلاّ أكبر استغراقاً في ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي عباس المرسي".
وكان من أهل التصريف في وقته، ويضمن القوافل، ويأخد من أرباب القافلة درهماً عن كل جمل من أجمالها، ويرجعون إلى البلد سالمين.
من أقوال سيدي علي الجمل :
من صفات كمال الولاية لله أن لا يحتاج الولي إلى شيء آخر غير الحال الذي قلده الله له في أي لحظة كانت وليس لديه رغبة أخرى بخلاف الإرادة الإلهية ففي أحد الأيام كان الشيخ العارف أبو العباس أحمد اليماني نسأل الله أن ينفعنا به جالسا مع بعض فقرائه و كان الجدل حول حقيقة الولاية و كان لكل واحد منهم رأي واستمر الخلاف وقرروا أن يعرضوا المسألة على الشيخ و عرض كل فقير رؤيته لحقيقة الولاية واستمع الشيخ دون أن يؤكد كلام أي منهم وعندما رأوا أنهم عاجزون عن الوصول للمقصود قالوا: "يا سيدي نأمل من الله و منكم أن تبلغونا حقيقة الأمر ما هي حقيقة الولاية؟", فأجاب الشيخ: "صاحب الولاية عندما يجلس في الظل فإنه لا يصبو إلى أن يجلس تحت الشمس وعندما يجلس تحت الشمس فإنه لا يصبو إلى أن يجلس في الظل".
وقال في كتابه الرسائل في التصوف (مخطوط خاص): سبحان من هيأ أقواما لخدمته وأقامهم فيها, وهيأ أقواما لمحبته وأقامهم فيها , أهل الخدمة تجلى لهم الحق بصفة الجلال والهيبة فصاروا مستوحشين من الخلق قلوبهم شاخصة لما يرد عليها من حضرة الحق قد نحلت أجسادهم وأصفرت ألوانهم وخمصت بطونهم بالشوق ذابت أكبادهم وقطعوا الدياجي بالبكاء والنحيب، واستبدلوا الدنيا بالمجاهدة في الدين، ورغبوا في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين وأهل المحبة، تجلى لهم الحق بصفة الجمال والمحبة وسكروا بخمر لذيذ القربة، شغلهم المعبود عن أن يكونوا من العباد ولا من الزهاد، اشتغلوا بالظاهر والباطن وهو الله، فحجبوا عن كل ظاهر وباطن زهدوا في التنعم والأنعام واشتغلوا بمشاهدة الملك العلام .
من مؤلفاته :
- نصيحة المريد في طريق أهل السلوك والتجريد ويسمى أيضاً اليواقيت الحسان في تصريف معاني الإنسان.
- الرسائل في التصوف (مخطوط خاص).
توفي رضي الله عنه بفاس عشية يوم السبت، تاسع وعشرين ربيع الأول، عام ثلاثة وتسعين ومائة وألف هجرية، عن عمر يناهز المائة وستة أعوام. ودفن يوم الأحد بزاويته بالرميلة، من عدوة فاس الأندلس، وقبره بها مشهور معروف يزار.