وقد حكي عن اليافعي شيخ اليمن أنه قال :
مكثتُ خمسة عشر سنة وأنا متردد بين طريق الفقهاء وطريق الفقراء ، فاجتمعت بشيخ من أولياء الله تعالى فقال لي : طريق الصوفية هي الشريعة بعينها ولكن الصوفية راعوا الآداب الباطنة فأفلحوا وقربوا من حضرة القرب، والفقهاء لم يراعوا إلا الظواهر فحرموا الترقي وحجبوا عن أسرار الشريعة، فمِن ثَمَّ صار كل صوفي فقيه ولا عكس، فقال : أريد أن أريك شيئاً تعرف به ثمرة الطريقين، فقلتُ له : افعل ما بدا لك، فقال لرجل قم وادعُ لنا العالم الفلاني وكان مفتيا في نربيْد ثم قال للفقراء : إذا جاء فلان فلا تعظموه ولا تقوموا له ولا تردوا عليه السلام إلا سرًّا، فلمَّا جاء قال : السلام عليكم، فلم يرد عليه أحد، فقال : حرام عليكم عدم ردّ السلام لوجوبه عليكم، فقال له الشيخ : الفقراء في أنفسهم منك شيء، فقال : كذلك وأنا في نفسي منهم أشياء، فقال لي الشيخ : انظر ما عنده من النفس والتّكبّر فأين تهذيبه الذي حصل له من العلم وأين تواضعه ؟ ثم قال الشيخ : قم يا فلان فادع لنا الفقير الفلاني ثم أمر الفقراء أن لا يقوموا إليه ولا يعظموه ولا يردوا عليه السلام، فلما جاء قال : السلام عليكم، فلم يردوا عليه فقال ثانيا فلم يردوا عليه فقال ثالثا فقال له الشيخ : الفقراء متشوشين منك، فقال : استغفر الله ووضع النعال في رأسه وأطرق، فقال الشيخ : انظر ثمرة طريق الفقراء، قال اليافعي فمن ذلك اليوم أقبلتُ على الفقراء وعلى طريق الصوفية بكليتي.