آخر الأخبار

جاري التحميل ...

النفحات الإلهية في كيفية سلوك الطريقة المحمدية (8)


الفصل الثاني في أخد البيعة وتلقين الذكر وكيفياته


اعلم أن المريد السالك إذا أقبل على طريق الله، وأراد إصلاح حاله بتوفيق الله، فابتداؤه كما قال مشايخ الطريق بأحد أمرين : إما بالتعلق الصوري وإما بالتعلق المعنوي.

فالصّوري هو أن يأخد المريد السالك البيعة من المرشد والتلقين أو كلاهما ويأتمر لما أوصاه به بلا إخلال، مقيمًا كان أو مسافرًا، فإن اتباعه في الأمر يحرسه وإن بَعُدَ في الحس لاتصاله في المعنى وقربه به، فإن عرض له ما يخل بما أوصاه به جعل ما أوصاه به وسيلة لقطع العارض به لا لقطعه بالعارض مهما أمكن حتى يكون ذلك له سببا ونسبا ملحقا، وإن بقي على صورته المعتادة الأولى فله نصيب بذلك من الإرادة ولحق بأهل الطريق، وميراثه بقدر ما أدلى به.
والمعنوي هو أن يأخد البيعة والتلقين أو أحدهما مع الصحبة والخدمة لطلب معنى ذلك وثمرتُه والدخول به إلى مستوى صلب الوراثة الحقيقية، فإن صدق انفرد وكان كولد الصلب ميراثًا، وإن شاركه مثله كانا فيه جميعا كالوراثة الحسيّة واجرائها مع اعتبار الصغير والكبير بينهما، وإن ورثا فالكبير متصرفا والصغير منتظرا وكانوا جمعًا، فلا بد فيهم من هو ممتاز بالكبر الحسي والمعنوي، وربما صار أمر أحدهما للأخ أن تفذ الوارثين الورثة. فمن أي الطريقين دخل السالك، محبا مطيعا للأمر بقدر وسعه وكليته مستوفيا أو مبعضًا كان طريقا له إلى حصول الإرادة والتعلق وصحة الانتساب ما لم يفارق ذلك ويرتد عنه، ونعوذ بالله من الإزاغة بعد الهدى.

 فالدوام على العزيمة دأب أهل الورع والسيادة والتقى، فإذا انقلب من هذه الحالة الكريمة إلى الرغبة عنها بالرخص من غير موجب شرعي يوجب ذلك، كان ارتدادا عند أهل الغيرة من حالة شريفة سامية مجيدة مرغوب فيها إلى حالة دنيَّةٍ ذميمةٍ مرغوب عنها، فعليه عند ذلك بالاقلاع وعليه بمعونة الله بتصحيح نية الإرادة بالنيات الظاهرة الصورية والباطنة المعنوية، فبالمعنوية ترفع الصورية، والصورية طريق المعنوية، والمعنوية منتهى، فعلاقتها كعلاقة الروح والجسد، وفي ذلك يقول شيخ الكل وأساذ الكاملين سيدي السيد محمد الغوث قدس الله سره في كتابه (الدرجات) : اعلم أن أول الشروط في حق المريد السالك وأول سبيل له خيرة المرشد فبذلك يكون بلوغ المريد، وإذا المريد السلوك والاتباع لا يمكنه بعد ذلك الرجوع عنه على قاعدة الطريق وأهلها، فإن بعد الاجتماع والأخد عن المرشد الصالح، لو أخد البيعة والتلقين عن مائة شخص فلا يكون مريدًا إلا لأحدهم لأن ردّه، فرجوعه عن الأول يوجب ردّه ورجوعه عن الجميع، لأن البيعة من الأول ثابتة محققة للذي أرشده أولا، ويكون ردّه وقبوله على ذلك المرشد، فإن الحكم في الطريق لذلك العقد الأول لأنه حقيقي عند الكل، وهم إن تعدّدت طرقهم فواحد مستندهم، فإن فعل ذلك للهوى فهو ردّة في الطريق بحسبها كرد بيعة الخلافة بعد أخدها، وإن كانت لسبب كموت المرشد أو فقده من المحل إلى غيره، أو العارض بالقدر وإعراض القدر لا يحصى، فحينئذ يؤذن له في الرجوع لوجود السبب الموجب، ونسأل الله لطفه وعفوه.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية