آخر الأخبار

جاري التحميل ...

محاسن المجالس أو بیان فی مقامات السادة الصوفیة (7)

الفصل السابع : وأما الخوف فهو من منازل العوام.


فصل وأما الخوف فهو من منازل العوام، لأنه انخلاع عن السرور وملازمة الخوف والتيقظ له بالوعيد، والحذر من سطوة العقاب، وهو من منازل العوام.

وليس من منازل الخواص خوف لأنه لا يليق للعبد أن يعبد مولاه على وحشة من نظره ونفرة من الأنس به عند ذكره. قال الله تعالى : {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} وأما أهل الاختصاص فإنهم جعلوا الوعيد منه وعدًا والعذاب فيه عذبًا لأنهم شاهدوا المبتلي في البلاء والمعذِّبُ في العذاب، فاستعذبوا ما وجدوا في جنب ما شاهدوا. وفي ذلك نشدوا :

سَقَمي في الحُبِّ عَافِيَتي       وَوُجُودِي فِي الهَوَى عَدَمي
وَعَذَابٌ تَرتَضُونَ بِهِ           فِي فَمِي أحلَى مِنَ النِّعَمِ
مَا لِضُرِّ فِي مَحَبَّتِكُم           عِندَنا والله مِن أَلَمِ

ومنهم من تحكَّم عليه الوَجد حتى جاوز في الاقتراح الحد، فطلب النعيم في العذاب حين طلب الأمان منه أكثر الأحباب فقال، وقيل أنها "لأبي يزيد" :

أُريدُكَ لا أُريدُكَ لِلثَوابِ       وَلَكِن أُريدُكَ لِلعِقابِ
فَكُلُّ مَآرِبي قَد نِلتُ مِنها      سِوى مَلذوذِ وَجدي بِالعَذابِ
فَكَيْفَ أَرَى مُرَادُكُمْ عَذَاباً    وَفِي مَضْمُونِهِ كَشْفُ الحِجَابِ
ومن كان مستغرقاً في المشاهدة حل في بساط الأنس فلا يبقى للخوف بساحته ألم، لأن المشاهدة توجب الأنس والخوف يوجب القبض.
وقيل أن الشبلي رضي الله عنه رأى مجتمعين وشابًّا قد بسط وضرب مائة سوط فلم يتألم لذلك، ولا استغاث ولا نطق. وكام ضئيل الخِلقة، نحيل الجسم، ثم بعد ذلك ضرب سوطًا واحداً فصاح واستغاث وتألم منه.

فلما أطلق سبيله لبس ثيابه وانصرف. فعجب الشبلي من حاله فتبعه خطوات ثم قال له : يا هذا لقد عجبت من قوة صبرك مع ضعف جسمك. فقال له : يا شيخ الهمم تحمل البلايا لا الأجسام. فقال له الشبلي : قد ريتك صبرت على المائة وعجزتَ عن الواحدة الأخيرة وقلقت. فقال : نعم يا أخي، إن العين التي كنتُ أعاقب لأجلها كانت التسعة والتسعين ناظرة إلي فكنت ألتذ بما يجري علي لاستغراقي غي مشاهدتها، وفي السوط الأخير احتجبت عني فبقيت مع نفسي فوجدتُ الألم.

وقيل في قوله تعالى :{وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} دليل خطابه تعالى أن المؤمنين لهم عذاب، ولكن ليس بشديد وإنما كان عذاب الكافرين شديد، لأنهم لا يشاهدون المعذب في العذاب. والعذاب على شهود المعذب عذب، والثواب على الغفلة عن المُعطي صعب، "فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ".

فالخوف من منازل العوام، وللخواص الهيبة، وهي أقصى درجة يشار إليها في غاية الخوف، لأن الخوف يزول بالعفو وبالأمن ومنتهاه خوف الشخص على نفسه من العقاب، فإن أمن من العقاب زال الخوف، والهيبة لا تزول أبدا، لأنها مستحقة للرب تعالى بوصف التعظيم والإجلال، وذلك الوصف مستحق له على الدوام. وهذه الهيبة تعارض المكاشف في أوقات المناجاة، وتصون المشاهد أحيان المشاهدة وتقصم المعاين بصدمة العزة، وفيه قال قائلهم :
أشتاقه فإذا بدا           أطرقت من إجلاله 
لا خيفةً بل هيبةً    وصيانةً لجماله
وأصد عنه تجلدا      وأروم طيف خياله

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية