قد يتعجّب البعض حين تجدون اسم «ليلى» أو «سلمى» في قصائد الصوفية ..فأسماء ك«ليلى» التي تغنّى بها أهل الله هي عروس الحضرة لا يدركها سوى العارفين بالله أهل الشهود والعيان وهي الروح في أسمى معانيها. حينما يتغنّى أهل الله بليلى لا نفهم من أقوالهم سوى ذلك الفيض الجارف من المحبّة والوصف البديع للحسن والجمال والأخذ الجذاب للأشواق، ولا ندري مغزى ليلى التي يتحدثون عنها لأنها كما يقولون جمعت كل المعاني. يقول الشيخ أحمد العلوي :
ظهرت بكل لون ماذا يحصي جفني
ولا تجلو هذه الحيرة والدهشة حتى ينغمس المريد في التصوف ويذوق من مشرب القوم، آنذاك تنحل العقد وتنفك الطلاسم، ويصبح المريد قادرا على فهم كلام المشايخ، فكلهم تحدثوا عن المرأة وتغنوا بليلى، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال « حُبِّب إلي من دنياكم النساء والطيب» فلا غرو أن المرأة حاملة للطافة وجمال الروح، لذلك تغنى بها الصوفية. يقول الشيخ أحمد العلوي:
دنوت من حي ليلى لما سمعت نداها
القصيدة طويلة تتحدث عن حسن ليلى، هذا يفهم من ظاهر القول ولكن حقيقته تتحدث عن شيء سام، فهذه المرأة معنوية وليست حسية، روحية وليست بدنية، جمعت فيها كل مميزات الحسن والجمال والبهاء والرونق، لا يفرّق الشيخ بينه وبينها، فهو كنهها، أخذته بالكلية، طورته بدلته وأعطت له سماتها الخاصة بل قتلته وضاء نجمه في سماها. يخاطب الشيخ المريدين الذين يبحثون عن الحسن أن يأخذوا من خلال هذه الكلمات شيئا من نورها.
إنه يريد أن ينقل المريد إلى مرحلة الدخول لحضرة المولى عز وجل، كي يتلقى هذا الفيض الرباني، فيعرف الحقائق والرقائق وتكشف له الحجب النورانية كي يتيه حبا ووجدا في خالقه، فليلى هي الروح التي يدرك بها العارف الذات الإلهية، وهذا ما نلمسه في كل أشعار الصوفية الذين تغنوا بالمرأة وبالضبط بليلى. فتبرز «ليلى» كملهمة له فهي شمس المعاني، يصورها تصويرا رائعا بكلام رباني أخاذ يسلب الروح والعقل ويشد الجوارح وينعش القلب، يتواجد له الإنسان تيها وطربا، ويهيم فيه شوقا ووجدا، إنه كلام صادر في حالة سكر وليست حالة صحو، سكر بالله وتيه بالله وطربا بالله، لذلك الكلمات ليست كالكلمات والألفاظ ليست هي الألفاظ، إنها تعابير رقيقة من معين المعرفة بالله.
إننا نندهش لهذا التصوير الذي ينقلنا من الحس إلى المعنى ، من الشبح إلى الروح. وهكذا تنتهي حيرتنا ودهشتنا حول من هي «ليلى»التي تغنى بها الصوفية، لنتأكد من أن «ليلى» هي تلك اللطيفة الربانية التي أودعها الله فينا، وظهرت بشكل واضح في المرأة، باعتبارها كائن لطيف ناعم جميل، خلق الله هذه الروح في أحسن صورة، فلا غرابة أن يتغنى بها أهل الله، فهي حاملة للروح في نقائها وصفائها والروح شيء سام مقدس لا يدرك معناه إلا العارفون الذين سلكوا دروب التربية الروحية ودخلوا حضرة المولى عز وجل، وانتقلوا بأنفسهم من مرحلة النفوس إلى مرحلة الروح إلى مرحلة السر..
لو أننا نستطيع فهم الروح التي بين جنبينا لعرفنا خالقنا أحسن معرفة يقال : « من عرف نفسه عرف ربه» ولو أننا سلكنا مسلك العارفين وفهمنا أقوالهم لعرفنا هذه اللطيفة الربانية والروح السامية، لقد قربوا لنا المعنى لكننا نحن في غفلة ...
الأستاذ : بدري المدني