ولما صحب الشيخ عز الدين بن عبد السلام بالحسن الشاذلي رضي الله عنهما صار يقول : "قعد الصوفية على الأساس وقعد غيرهم على الرسوم". وكان يقول : "من أعظم الدليل على طريقة الصوفية، ما يقع على يد أحدهم من الكرامات والخوارق، ولا يقع شيء منها من فقيه إلا أن سلك طريقهم". ولمّا جاء سيدي مدين أحمد الزاهد يطلب الطريق وجد الجامع مقفولا وكان بعد العشاء فقال للبواب : افتح لي، فقال له سيدي أحمد : قل له لا نفتحُ لأحدٍ بعد بعدَ العشاء، فقال له ذلك، فقال : حرام إنّ المساجد لله، فقال سيدي أحمد : تعس فقيه يا فلان افتح له وإلاّ استفتا علينا غدا، ففتح له .
فاقبِل يا أخي على طريق الفقراء واهجم ولا تشاور أحداً في ذلك وقد نصحتك والسلام.
وأنشد سيدي علي بن وفا رحمه الله شعراعلى لسان الحال :
يا طالبي لا يغرُّك إنكَ من الأبرارِ
فحَضرتي ليسَ يدخلُ فيها سوى الأحرارِ
ان رُمت تسمع قولي فرغ لقولي سمعكَ
من كلِّ ما قالَ غيري في سائر الأدوارِ
واعزمْ على تجريدك وأزل وهمك يا فلان
فإن أنوارَ نطقي على التوهم نار
اقض أجل أوطارك ولا ترى أهليتكَ
واخلع نعل معقولك وألقي عصا الأخبار
واضرم جميع أطوارك بنيران صدق محبَّتي
وأْنَسْ إلى نورِ كشفي أن أحرق الأغيار
واسعى مجرّد مفارق عن كل شيء تألفه
من باطن أو ظاهر مقبل بلا إدبار
تسمع بسرِّ سميعي كلاما ما له ترجمان
سمعُه شهودُهُ ما فيه لبسٌ على النظار
وإن بقي فيك بقية وقفت مع لذاتها
وإن فنيتَ جميعَك رأيته إجهار
إن كنت خاطب راغب ادخل على شرط الوفا
واعمل فحولة ورجله واهجم على الأخطار
ولا يردّك مانع عن أن تجد هذا المنا
ولا تَهبْ شيءٌ دونهُ وإن هابه الشطار
وإن وجدت محبة وصدق قصدٍ يجذُبك
فذاك إذن بأنك تبقى من الحضار
فادخل محاضر ذكري فإنها سوق الجنان
مهما أعجبك قم وسبح واذهب به إلى للدار
وحين تجلس تأدب آداب أهل المعرفة
واعلم بأنك مجالس للواحد القهار
إلى آخر ما قال رضي الله عنه.