ومن ذلك أنه إذا كان الطالب مُحقًّا ثم توجه في طلب المرشد لقطع المسافة إلى لقائه فوجد بعض الآخدين عنه فتلقن منه ليتصل بسنده إليه مخافة أن يعرض له بعارض قبل وصوله إلى المرشد، وسلمه الله من العوارض دونه واجتمع به فله الأخد عنه، وهذا الأخد هو الأخد الحقيقي المنتج بإذن الله تعالى، والأول وسيلة إليه، فحكمه حكم التيمم بعد الحدث وقبل الوصول إلى الماء كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى الحدث يتيمم قبل وصوله إلى الإداوة، تعليمًا لقطع المسافة على الطهارة وللحذر في وقوع الفوت بالقدر فيكون على طهر.
والتيمم هذا نافع في قطع المسافة وفي الموت على الطهارة، غير مبيح للصلاة ولا رافع للحدث لوجود الماء، فكذلك وجود المرشد وما تقدمه ممن لا يصلح سواء كان آخدًا عنه أو عن غيره؛ لأن حكمه حكم التيمم المذكور فهو مشروع ومباح بقدر حاله. والمرشد كالماء الواقع للحدث المبيح للأوامر الشرعية المزيل أعيان النجاسات بقدرة لإزالته من الطالب النجاسات المعنوية بعد الحسيَّة فهو ماءه.
وقولنا وإذا اختار المريد السلوك ثم أراد الرجوع لا يمكنه ذلك على قاعدة الطريق مُسْتَنَدُنا في ذلك من السنة ما وقع لبعض الأعراب أنه جاء إلى المدينة وبايع النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام بالمدينة فأخده الوعك واشتد به فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد أقلني من بيعتي فلم يقله صلى الله عليه وسلم، فذهب ثم عاد وطلب ولم يجبه، وذهب ثم عاد ولم يجبه، فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المدينة كالكير تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد) وقد تكلم العلماء في ذلك : هل هو مرتد أم لا ؟ وظاهره والله أعلم أنه باق على الإسلام فاسق بالمخالفة، إذ لو أقاله لكان مرتدًّا ولو كان بالخروج مرتدًّا لقضى فيه والله أعلم.
فعلى هذا قياس المبايع والمتلقن إذا طلب الإقالة للهوى، فالمالك للإقالة المرشد فإبقاؤه له على المخالفة وسكوته عنه حتى يصلحه الله تعالى إبقاء له طرف الأمر مع المخالفة فيكون فاسقا لا مرتدًّا، فلا يكون مريداً لغيره وإن كان فاسقّا عن الأمر وقد ورد : (الشيخ في قومه كالنبي في أمته). والله أعلم.