أبو مدين الغوث
أبو مدين الغوث: هو أبو مدين شعيب بن الحسين الأندلسي الأنصاري، ولد ببجاية وبها نشأ، أصله من قطنيانة وهي قرية قريبة من أشبيلية، توفي بتلمسان، ودفن بجبل العباد) سنة (594 هـ/ 1197م ).
تلقى أبو مدين تعليمه في الأندلس، ثم عبر البحر إلى المغرب و درس في سبتة وفاس ومراكش، سافر إلى المشرق وأدى فريضة الحج ثم عاد إلى المغرب.
كان إماماً للُعبّاد والزُهّاد والخلفاء، وصفه المقري بــ: شيخ المشايخ، وسيد العارفين، وقدوة السائلين، من أعلام العلماء وحفاظ الحديث، خصوصاً حفظ جامع الترمذي.
شيوخه:
- أبو يعزى: اشهر شيوخه ابو يعزى ت 572 هـ/1176م ، المدفون في قرية (تاغيا) بجبل ايرخان في مكناس، و قد أقام مدرسة خاصة بهذه الجهة، وكان المريدون يأتون إليه من جميع أنحاء المغرب والأندلس.
- أبو الحسن بن حرزهم ت 596 هـ/1199م ، الذي لازمه وأخذ عنه الرعاية للمحاسبة،
- وأخذ كتاب السنن للترمذي على أبي الحسن بن غالب القرشي. المتوفى 570 هـ/1174م، وهو من أهل كتامة ودفن فيها.
- أبو عبد الله الدقاق: هو من كبار أهل التصوص وقد أخذ أبو مدين الطريقة على يديه، حيث قيل أنه أول من أخذ عنه التصوف عن أبي مدين.
- أبو الحسن السلاوي: الذي أخذ عنه التصوف ايضا.
- أبو الحسن ابن الصباغ: الذي أخذ عنه العلوم الشرعية.
- الشيخ عبد القادر الجيلي: الذي قرأ عليه في الحرم الشريف كثيراً من الحديث وألبسهُ خرقة التصوف وأودعهُ كثيراً من أسراره، ومن ذلك كان أبا مدين يفتخر بصحبته ويعده أفضل مشايخه الأكابر.
تلامذته
كان لأبي مدين ألف تلميذ حسب رواية أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصاري.وعلى يد كل واحد منهم كرامة، وأكد ابن الزيات، أن الذين استفادوا من أبي مدين كانوا أكثر من ألف تلميذ، وذكره ابن عربي في روح القدس، وترجم الغندلاوي هم الأنصاري الخزرجي وكان معظم المترجم لهم من هذه الكتب من أصحاب أبي مدين، وهذا يدلي عندهم على التلمذة، تلامذته إلى مدين ويدل على دوره في نشر العلم والطريقة.
أشهر تلاميذه عبد الرحيم القناوي ت592 هـ وهو من أصحاب أبي مدين.
ومن تلامذته ابن عربي، يقول ابن عربي بأنه اجتمع به، وكان يتمنى ذلك، حيث قال أبو مدين عن هذا كما ورد في روح القدس على لسان أبي عمران السيد راني الذي جاء حاملاً رسالة من أبي مدين لابن عربي: أما الاجتماع فقد صح بيني وبينك وثبت وأما الاجتماع بالأجسام في هذه الدار فقد أبى الله ذلك فسكن خاطرك، والموعد بيني وبينك عند الله في مستقر رحمته.
محمد بن ابراهيم الأنصاري: من كبار تلاميذ أبي مدين وأكثر عنه الرواية، وكان يحضر مجالس أبي مدين ببجاية.
أبو الحسن الششتري: تتلمذ على يديه ببجاية، وكان يحضر حلقات المدينية؛ ولذلك سمي بــ : بالمدين. ونسُبت بعض موشحات أبي مدين اليه لشدة تأثره.
ومن تلاميذه: أبو محمد صالح، وجعفر بن عبد الله بن محمد بن بونة صاحب الطريقة البنية ومؤسسها، وهو من أهل شرق الأندلس ت642 هـ/ 1244م.
ومن تلامذته ايضاًً ابو محمد عبد العزيز بن أبي بكر القرشي المهدوي، حيث أخذ عنه، ذكره ابن الطواح، وجدت بينهما مكاتبات ومراسلات.
ومنهم: أبو الصبر السبتي الذي استُشهد في معركة العقاب سنة 609 هـ/1212م ، ترجم له ابن الزيات وأبو الصبر من كبار مشايخ عصره.
ومن تلامذة أبي مدين محمد بن محمد القرشي المقري، وهو جد مؤلف: (نفح الطيب).
وكذلك أبو علي حسن بن محمد الغافقي الصواف، صحب أبا مدين نحو ثلاثين سنة، وردت إليه الإشارة عدة مرات عند ابن الزيات في التشوف.
ومن تلامذته أيضاً يوسف بن خلف الكومي المتوفى سنة 576 هـ/1180م ، وكان ابن عربي قد التقى به في اشبيليه، وأفتى عليه وقال أنه زاهد كبير ملامتي.
وكانت أغلبية المصادر التي ترجمت لأبي مدين، قد ذكرت واكدت أن له ألف تلميذ على يد كل منهم كرامة.
ترحاله
كان ابو مدين في بداية حياته في الأندلس، وقد عاش يتيماً، ونقلاً عن ثقات ذكر ابن الزيات أنه قال: (... كنت بالأندلس يتيماً فجعلني أخوتي راعياً لمواشيهم، فإذا رأيت من نصلي أو من يقرأ القرآن أعجبني ودنوت منه... فقويت عزيمتي على القرار لأتعلم القراءة والصلاة).
عَبَر طنجة وذهب إلى سبتة وعمل أجيراً لبعض الصيادين، وذهب إلى مراكش، ثم رحل إلى فاس، وأقام بها ولزم جامعها. حضر حلقات الدروس التي كانت تعقد من قبل شيوخه فيما بعد كابن حرزهم، وابن غالب، وأبي عبد الله الدقاق.وأبي الحسن السلوي.
كما تنقل أبو مدين في مدن الأندلس في حياته الأولى، مثل اشبيليه، وشريش والجزيرة الخضراء، ثم عاد إلى سبتة وتزوج فيها. وجد بها زاويته، وألف بها بعض كتبه.
كما استوطن قديماً مدينة فاس، وانتقل إلى تلمسان، و استقر في بجاية وفيها كان يعقد حلقات التدريس، ويدرس العلم ويربي المريدين.
ولابي مدين رحلة إلى الحج، وكان ابو جعفر بن سيد بونة قد التقى بأبي مدين، عند رحلته إلى المشرق لأداء فريضة الحج.
الطريقة المدينية
نسبة إلى ابي مدين، وكانت مشهورة ببجاية وطارَ صيتها إلى بلاد اليمن، وإليه ينتسب بعض شيوخ اليمن. ومنهم من ينتسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني.
كان الشيخ أبو مدين لسان حال هذه الطريقة ومحييها ببلاد المغرب، وذكر الكومي احد أشهر تلاميذ أبو مدين، وشيخ أبي عربي في ترجمته (في كتاب روح القدس) إشارة الوافدين مثل موسى القوي للسفينة، كان كثير الأوراد، يخفي صدقته، يكرم الفقير، ويذل الغني، كان كبير الهمة، الغالب عليه الملامتيه.
وكان الوفدين قد سلك الملاحقية مقتدياً بشيخه ابن حرزهم الذي يقول عنه ان كان ساكن في التصوف سبيل أهل الملامتيه.
وكان أبو مدين يقول: كرامات الأولياء نتائج معجزاته صلى عليه وسلم، وطريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزي بسنده إلى الجنيد بسنده إلى الحسن البصري.
ولأبي مدين تأثيراً بالغ في أهل زمانه لتمتعه بالكرامات والمعجزات. فانتفع به خلق كثير كما كان له اتباعَ بمصر، فتلميذه عبد الرحيم القاني أقام بمصر وبها توفي.
وكان ابو مدين قد خاض في الأجوال بحاراً، ونال من المعارف أسراراً، وخصوصاً مقام التوكل لا يشق فيه غباره، ولا تجهل آثاره وكان مبسوطاً بالعلم، مقبوضاً بالمرافقة، كثير الالتفات بقلبه إلى الله تعالى حتى ختم له الله بذلك.
وأكد أبو مدين حيث قال:(الملتفت إلى الكرامات كعابد الأوثان، فإنه يصلي ليرى كرامة).
ان طريقة أبي مدين انتشرت في أنحاء الأندلس بفضل الطريقة البونية، التي تفرعت عنها على يد مؤسسها تلميذه أبي جعفر ابن سيد بونة الخزاعي، التي كانت لها اتباع كثر.
الطريقة السبتية
نسبة إلى أبي العباس محمد بن جعفر الخزرجي ولد بسبتة 524 هـ/1130م وكان زاهداً عالماً ورعاً جميلا، حسن المظهر فصيح اللسان، صبوراً يُحسِن لمن يُؤذيه، أحبَ مجالس العلم، كان شيخهُ أبو عبد الله الفخار، وكان مذهبه يدور على الزهد والتصوف والصدقة والصيام، لغرض الشعور بالجياع والفقراء، ومن تلاميذه: عيسى بن شعيب(79)
الطريقة الشاذلية أبو الحسن الشاذلي
تنتسب هذه الطريقة إلى أبي الحسن الشاذلي هو علي بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن أبي البطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن إدريس( المبايَع له ببلاد المغرب) بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
و شاذلة من بخماره على ساحل البحر بين تطوان والريف في المغرب..
ولد الشاذلي في غمارة سنة 593 هـ/1197م ثم حفظ القرآن الكريم، وتجويده بها وتلقى علومه الابتدائية على يد شيوخها. كان منشأه في بني زويل من الأخماس قرب شفشاون.
عالم، عامل، محقق، مدرك، حامل لواء العرفان، أسمر اللون، جاحظ العينين، طويل القامة جهير الصوت.
شيوخه
من أكبر شيوخ أبي الحسن الشاذلي: الشيخ عبد السلام بن مشيش، وتتلمذ الشاذلي على يد أبي سعيد خلف الناجي التميمي ت628 هـ/1231م، كما تتلمذ على يد الشيخ نجم الدين الاصفهاني نزيل مكة.
قال الشاذلي متحدثاً عن سبب لقائه بابن مشيش: (لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ أبي النصح الواسطي، فما رأيتُ بالعراق مثله، وكان مطلبي على القطب، فقال لي بعض الاولياء، القطب الفحى بالعراق وهو ببلادك، فرجعت إلى بلاد المغرب واجتمعت بأستاذي ابن مشيش محمد بن عبد السلام).
ومن بين شيوخ الشاذلي بالمغرب أبو عبد الله محمد بن العارف بالله الشيخ أبي الحسن علي بن اسماعيل بن أحرازام: كان ممن اخذ عنه انتفع به، وألبسه الخرقة، وهو أول أصحابه.
وكان الشاذلي قد درس كتاب سيبويه في النحو، وكتاب ابن عطية في التفسير.
التصوف عند الشاذلي
عَرَّف الشاذلي التصوف بانه: (تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية). وقال : (للتصوف أربع صفات: التخلق باخلاق الله، وحسن المجاورة لأوامر الله، وترك الانتصار للنفس حياءً من الله، وملازمة البساط بصدق الفناء مع الله).
طريقته الصوفية (الشاذلية)
انبثقت هذه الطريقة على يد أبي الحسن الشاذلي في تون والمغرب، عن الشيخ ابن مشيش، ولكن لم تكتب الشهرة للأستاذ عبد السلام بن مشيش لانه بقى في باديته، بل كتبت لتلميذه الشاذلي، لأنه خرج من قبيلته وزار عدة بلاد وكذلك كتبت الشهرة والذيوع والانتشار.
تعاليمها
كانت تعاليم الطريقة الشاذلية تركزعلى أصول خمسة: تقوى الله في السر والعلانية، واتباع السُنة في الأفعال والأقوال، والإعراض عن الخلق في الاقبال والأدبار، والرضا عن الله في القليل والكثير، والرجوع إلى الله تعالى في السَراء والضراء.
التصوف عند الشاذلي وهو ينشد طريقته لا يفرض على أحد من أتباعه بترك مهنته والانقطاع إليه كلياً، بل المعرفة والاتكال والايمان بالله عز وعلا، وكان قد أكد العمل ماورد في الحديث الشريف: أفضل ما يأكل العبد من كسب يديه.
التصوف عند الطريقة الشاذلية منبثقاً من تعاليم الإسلام، فكان يحض أصحابه على النظافة والعمل والصبر واليقين والهداية.
وللطريقة الشاذلية طريقان: الأول طريق الصحبة والاقتداء، والثاني طريق، التبرك واليقين والاهتداء، الأول أخذ من عبد السلام بن مشيش والثاني أخد من أبي مدين، اشتملت على السلوك والمجاهدة، والعناية، والأدب والقرب، والرعاية، وشيدت بالعلمين الباطن والظاهر بكل أطرافها، وكانت مقرونة بالاكتمال.
من أقواله
قال: كل نفسك بالصلاة.
وقال: لا تشتغل بأذية من يؤذيك واستغني بالله يرد عنك، فهو الذي له صلة عليك ليختبر دعواك في الصدق.
وقال: أعمى البصيرة في ثلاثة أشياء إرسال الجوارح في معاصي الله، والطمع في خلق الله، والتصنع في طاعة الله.
تلامذة أبي الحسن الشاذلي:
كان له مجالس وحلقات كثيرة في المغرب والأندلس وخارجهما، وكانت مجالسة من أبهى المجالس في الحقائق.
وقد بدأ في تونس بتربية أتباعه في كتب التصوف والسلوك المشهورة. كان لسانه القشيرية لعبد الكريم بن هوازن القشيري، وقوت القلوب لأبي طالب المكي، والشفا للقاضي عياض، ودرس تلامذته كتاب سيبويه في النحو وكتاب ابن عطية في التفسير.
ومنهم :
- ماضي بن سلطان المسروقي.
- أبو الحسن الصقلي علي بن مخلوف.
- أبو محمد بن عبد العزيز الزمقوني.
- خذيمة أبو العزائم ماضي.
-عبد الله الجيبي.
ومنهم من هاجر معه إلى مصر، مثل أبي العباس المرسي، وكان من أكابر أولاده الفارق المدرك المحقق الشيخ أبو العباس المرس، وهو الذي توفي بمدينة الاسكندرية بمصر وضريحه فيها مشهوراً، ومن الذين هاجروا معه إلى مصر:الحاج محمد القرطبي، وأبو الحسن البجاوي، أبو عبد الله البجائي، والوجهاني والخراز، ومكين الدين الأسمر، والشيخ الشريف البوني، والشيخ عبد الله اللقاني، والشيخ عثمان ألبورنجي، والشيخ امين الدين جبريل، وأبو اسحاق الكندي أخذ عنه بمصر.
ثانياً: الطريق المشيشية، أسسها عبد السلام بن مشيش: ت622 هـ /1225م.
هو عبد السلام بن مشيش أو بشيش ابن ابراهيم الحسني الادريسي، من ولد ادريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولادته
ولد سنة 559 هـ/1163م ، بمدش الحض من بني عروس، إمام عارف، ولي مجتهد محقق. كان مقامه في المغرب مثل مقام الشافعي بمصر.(98) ولقب بــ: القطب والفوت.
شيوخه
تلقى ابن مشيش العلم وهو ابن اثنى عشر سنة على يد الشيخ سليم، حفظ القرآن تعلم علم الحديث في بلده، أخذ عن ابي مدين الفوت، ومن شيوخه ابو العياش أحمد قطران، والشيخ ابو زيد عبد الرحمان الحسيني الشريف العطار المعروف بالزيات، سكنة في حارة بــ: الزيات، وأبى المديني، نسبة الى المدينة المنورة، وأخذ من سيد بونة الخزاعي الأندلسي. وكان ابي مشيش ذو صلة بالطريقة البونية ذات الجذور الأندلسية.
تصوفه
كان الشيخ ابن مشيش كثير التعبد بجبل العلم في منطقة بني عروس، أجمع الناس على صلاحه وبلوغه مقام العارفين، تربى على يديه كثير من المريدين، من أشهرهم: أبو الحسن الشاذلي.
قال في جهد النفس: (إن اردت جهاد النفس فاحكم عليها بالعلم واضربها بالخوف في كل خطوة، واسجنها في قبضة الله تعالى أين ما كنت).
تلامذة ابن مشيش: يكفيه أنه أستاذ الأقطاب الثلاثة: سيدي ابراهيم الدسوقي، وسيدي احمد البدري، وسيدي الحسن الشاذلي رحمهم الله.)
وصاياه
من وصاياه لتلميذه أبي الحسن الشاذلي وصية يقول فيها: نص (الله، الله والناس نزه لسانك عن ذكرهم أو قلبك عن التماثيل من قبلهم، وعليك بحفظ الجوارح، وأداء الفرائض، وقد تمت ولاية العهد عليك، ولا تذكرهم بواجب حق الله عليك، وقل الله نَجِني من شرهِم، وأعِني بخيرك عن خيرهم، وتولني بالخصوصية من بينهم انك على كل شيء قدير).
ومن وصاياه
- لا تصحب من يؤثر نفسه عليك فإنه لئيم، ولا من يؤثرك على نفسه فإنه لا يدوم، وأصحب من إذا ذكر، ذكر الله، فالله يغني به إذا شهد، وينوب عنه إذا فقد، فكره نور القلوب، ومشاهدة مفاتيح الغيوب.
- وعن قوله: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا، قال: يعني ولو هم على الله، ولا تدلوهم على غيره، فإن من ولك على الدنيا غشك، ومن دلك على الله نصحك.
صلاة ابن مشيش (الصلاة المشيشية)
للشيخ عبد السلام بن مشيش صلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مشهورة عرفت بالصلاة المشيشية، هي: "اللهمَّ صلِّ على منْ منهُ انشقتِ الأسرارُ ، وانفلقتِ الأنوارُ ، وفيهِ ارتقتِ الحقائقُ ، وتنـزلتْ علومُ آدمَ عليهِ السلامُ فأعجزَ الخلائقَ ، ولهُ تضاءلتِ الفهومُ فلمْ يدركهُ منا سابقٌ ولا لاحقٌ ، فرياضُ الملكوتِ بزهرِ جمالهِ مونقةٌ ، وحياضُ الجبروتِ بفيضِ أنوارهِ متدفقةٌ ولا شيءَ إلا وهو بهِ منوطٌ ، إذْ لولا الواسطةُ لذهبَ –كما قيلَ- الموسوطُ ، صلاةً تليقُ بكَ منكَ إليهِ كما هو أهلهُ . اللهمَّ إنهُ سِرُّكَ الجامعُ الدالُّ عليكَ ، وحجابكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ . اللهمَّ ألحقني بنسبهِ وحققني بحسبهِ ، وعَرِّفْنِي إياهُ معرفةً أسلمُ بها منْ مواردِ الجهلِ ، وأكرعُ بها منْ مواردِ الفضلِ ، واحملني على سبيلهِ إلى حضرتِكَ حملاً محفوفاً بنصرتِكَ واقذفْ بي على الباطلِ فأدمغَهُ ، وزُجَّ بي في بحارِ الأحديةِ وانشلني منْ أوحالِ التوحيدِ ، وأغرقني في عينِ بحرِ الوحدةِ حتى لا أرى ولا أسمعَ ولا أجدَ ولا أحسَّ إلا بها . واجعلِ الحجابَ الأعظمَ حياةَ روحي ، وروحهُ سِـرَّ حقيقتي وحقيقتهُ جـامعَ عوالمـي بتحقيقِ الحقِّ الأولِ ( يا أولُ يا آخرُ يا ظاهرُ يا باطنُ) ( ثلاثاً ) اسمعْ ندائي بما سمعتَ بهِ نداءَ عبدكَ زكرياءُ عليهِ السلامُ ، (وانصرني بكَ لكَ وأيدني بكَ لكَ ، واجمعْ بيني وبينكَ وحُلْ بيني وبينَ غيركَ) ( ثلاثاً ) ، اللهُ ، اللهُ ، اللهُ " ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلى مَعَادٍ ) "ربنـا آتنا منْ لدنكَ رحمـةً وهيئْ لنا منْ أمـرنا رشداً " ( ثلاثَ مراتٍ ) (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
تلك الصلاة انتشرت وذاع صيتها وسميت بالمشيشية، ووضعت لها الشروح التي وصلت إلى خمس وعشرين شرحاً، في المغرب والمشرق الاسلاميين.
وفاته
توفي الشيخ عبد السلام بن مشيش سنة 622 هـ/ ، دفن بالجبل المسمى: جبل العِلم.
وكانت المصادر قد اجمعت أنه توفي مقتولاً من طرف أبي الطواجين الكتامي الذي أدعى النبوة، وانتحل صناعة الكيمياء، وتبعهُ على ضلالة طغاة غمارة والبربر.
وقد ذكر الوراق في مناقب ابن مشيش ان سبب قتل ابن أبي الطواجين لابن مشيش، هو ان رجلاً له اخت ذات حسن وجمال، فاراد ابن ابي الطواجين أن يتزوجها قهرا فهرب واخته الى حرم الشيخ فمنعهُ من تزويجها، فكانت سبب موته.
وذكر الخروبي: ان ابن ابي الطواجين كان قائداً من قادة المنتصر الموحدي صاحب مراكش كما كان قائداً في قصر عبد الكريم، وكان قد سعى بالشيخ ابن مشيش إلى الأمير الموحدي؛ مخافة التفاف الناس حوله واجتماعهم عليه.
وكان ذلك الأرجح لان الموحدين كانوا قد حسبوا ذلك الأثر الديني والصوفي سنة، ومقدار انسحابه على وضعهم السياسي والاجتماعي، لان العامة كانت تلتفت؛ حول الكرامات والمعجزات حسب ما كانوا يعتقدون.
ابن عربي ت 638 هـ/1240م
هو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي الأندلسي المرسي، الملقب بـ: محيي الدين.
أصله من مدينة مرسية التي ولد بها سنة 506 هـ/1112م ، اما النشأة فقد كانت اشبيلية، ثم استوطن في دمشق في الشام وتوفي بها ودفن.
كان لزوجته دور كبير في حياتهُ فضربت له المثل الصالح في المواعظ، وهي مريم ابنة محمد بن عبدون بن عبد الرحمان الناجي.
شيوخه
لقد خص ابن عربي شيوخه الذين اخذ عنهم وترجم لهم في كتابه (روح القدس)، وبلغ عددهم خمس وخمسون أغلبهم اندلسيون.
من بين هؤلاء.
- يوسف بن خلف الكوفي ت576 هـ/1180م ، وصفه بالزاهد الملامتي.
- أبو عبد الله الرندي، الذي يقول عنه من الأبدال.
- أبو الحسن بن الصائغ ت: 600 هـ/ 1230م والذي قال: اكل الدنيا بالدف والمزمار خير لي من أكلها بالديَن.
- أبو عبد الله ابن المجاهد، وعبد الله بن قسوم كلاهما من أشبيلية، تعلم منهما محاسبة النفس.
- عبد الله الدقاق الفاسي.
- بونة فاطمة بنت المثنى القرطبية، عجوز أخذ عنها، بعد أن لزمها خادماً ومريداً.
- أبو مدين الغوث الذي أثنى عليه ابن عربي وقال: كان ابو مدين الغوث لسان هذه الطريقة ومحبيها بالمغرب وهو الذي سمى ابن عربي بــ: الشيخ الأكبر.
- أبو عبد الله المهدوي، الذي أكد صحبته بمدينة فاس.
- عبد الحليم العماري، الذي وصفه بــ: شيخنا، وحكى عنه وورعه وتقواه.
وتتلمذ على يد الشيخ عبد الجليل القصري، وعبد العباس السبتي.
تلامذته
لا يمكن إحصاء تلامذة ابن عربي، ولكن يمكن ذكر الأشهر، منهم:
أبو العباس احمد بن ابراهيم القنجائري المرسي وهو احد تلاميذ ابن عربي، وكان شيخ الصوفية بالمغرب قاطبة، وهو صاحب مجاهدات، ومقامات، ومشاهدات، ومناجاة ، وكانت له مكانة عند ملوك عصره. توفي سنة 627 هـ /1229م.
ومن تلامذته، أبو القاسم محيي الدين بن محمد بن محمد بن سراقة، وصدر الدين القونوي ت672 هـ/1273م، وكان القونوي قد قصد الديار المصرية واجتمع مع ابي الحسن الشاذلي، وتكلم بحضرته كثيراً، والشيخ مطرق إلى أن استوفا الشيخ صدر الدين كلامه، فرفع الشيخ أبو الحسن رأسه وقال اخبرني أين قطب الزمان اليوم؟ ومن هو صديقه وما هي علومه؟ قال: فسكت الشيخ صدر الدين، ولم يرد جواب.
ومن تلاميذ ابن عربي: الملك مظفر بهاء الدين غازي، الذي أجازه ابن عربي هو وأولاده من بعده.
ابن سبعين
ابن سبعين: هو عبد الحق بن سبعين، اختلف الناس حوله، واغراضهم متباينة بعيدة عن الاعتدال فمنهم الموهن المكفر، ومنهم المقلد المعظم، وحصل لطرفي هذين الاعتمادين من الشهرة والذيوع ما لم يقع لغيره.
نشأته
ابن سبعين هو ابو محمد عبد الحق بن ابراهيم بن نصر المرسي الرقوطي العكي، ورقوطة بلدة اندلسية تقع شمال غرب مارسية، وهو قرشي هاشمي علوي.
لقب بــ: القطب وبيته من أشرف البيوت في بلاد المغرب، ولد في سنة 613 هـ/1216، وكان من المشايخ الأكابر، قضى شوطاً كبيراً من حياته في المغرب، حيث تزوج من امرأة موسرة من سبتة، بنت له زاوية من داخل دارها، فشاع أمره، سكن ابن سبعين في بجاية واستوطن مكة، درس العربية في الاندلس ثم انتقل إلى سبته وانتحل التصوف.
اتصف بالعلم والحكمة والنباهة والبلاغة والفصاحة، مع مشاركة ورجاحة وطلاقة قلم.
شيوخه
ابن احلى اللورقي.
ابو عبد الله الشوذلي الأشبيلي الحلوبي.
ابن دهان الاوسي.
محيي الدين بن عربي.
تلامذته:
كان لابن سبعين زاوية تخرجَ منها تلامذته ومريديه، الذين اخذوا عنه وتأثروا به وانتفعوا من علومه، ومن اشهرهم: أبو الحسن الششتري، الذي تجرد، عن كل مظاهر الفخامة.
ومن تلامذته: ابو الحسن بن يحيى بن ابراهيم المعاذري، المشهور بــ: أبي الحاج الشاطبي الذي ورد على بجاية، وتتلمذ على يده الصوفي ابن أبي واطيل، الذي كان على معرفة بالحروف والأسماء وكلام التخمين، وله رأي بالنبوة، والخلافة، والولاية، ومنهم يحيى بن أحمد البلنسي الذي ألفَ رسالة بمناقب شيخهُ سماها: الوراقة المحمدية والفصول الذاتية، وقد اورد المقريء فصولاً منها في الطيب. !!