آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الزاوية البودشيشية بمداغ


الزاوية القادرية البودشيشية تقيم احتفالا كبيرا بمولد
الرسول صلى الله عليه وسلم

لم يكن من المصادفة أو الابتداع الشرعي أن يحتفل المسلمون بذكرى مولد خير الأنام وسيد ولد آدم أجمعين سيدنا محمد عليه أزكى الصلاة والسلام· فقد كان أسلافنا على وعي كبير بمتغيرات الدنيا وثوابت الدين ومقاصده، يوجههم منطق الاجتهاد الذي يحفظ للمؤمن عقيدته وفي الوقت نفسه مسايرته للزمن·

وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذا المنطق الاجتهادي الذي ارتكسنا عنه في زمننا، واتخذت فيه علاقتنا بالزمان والمكان بعدا آخر يتسم ''بالطي'' وأصبحت فيه عقيدتنا مهددة بآلة المادة التي أتت على كل شيء·

الاحتفال بالمولد النبوي حتمية تاريخية وضرورة شرعية، إذ هو مستنبط من فلسفة أخلاقية وضع مبادئها وأصولها الوحي الإلهي قرآنا وسنة وتحققت قولا وعملا وحالا زمن النبوة المحمدية وأرسى دعائمها الصحابة الكرام ورسخها ووطدها في العقول والألباب وحافظ عليها من سار على دربهم من أهل الولاية والإرشاد والدلالة على الله·

إنها فلسفة أخلاقية متكاملة تؤمن بمنطق ''السنة الحسنة''، وبذلك تكون فاعلة في الشأن الخاص والذاتي (الفرد المؤمن) والشأن العام والموضوعي (الواقع التاريخي)، إذ تاريخنا اليوم يعج بخطاب العولمة والتعولم والناس بشأنها مختلفون اختلافا كبيرا، ما بين أهل التبشير بها كمنقذ للعالم من ضلال الأمية والفقر والتخلف، وأهل التنفير منها كشبح مرعب يجهز على مخالفه والمتميز عنه، يصطنع النسخ تلو النسخ المطابقة لأصله، يبتلع كل ما هو أصلي وروحي يمس عمق أعماق الإنسان المعاصر، مما يجعلنا نطرح استفهامات تسائل الذات وتستشرف المستقبل بكل أمل وترغيب ودون يأس وترهيب! ألسنا نحن أهل رسالة للشعوب كافة؟ ألم يعش أسلافنا -أهل الاجتهاد حقيقة- عولمة روحية مازالت معالمها قائمة إلى اليوم؟
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الزاوية البودشيشية بمداغ
لا يتسع المقام للإجابة عن هذه التساؤلات المطروحة بكل عفوية وتلقائية وإذا شئت، بفطرة إيمانية مشبعة بالغيرة على مقومات هويتنا ورصيدنا الحضاري الذي إذا أحسنا استثماره طَوَى لنا ربنا جل وعلا الأزمان و''الأمكان''·
لقد كان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الزاوية البودشيشية بمداغ ملتقى دوليا وعالميا للأرواح قبل الأشباح، أرواح تعارفت وائتلفت لتشكل صورة للعولمة الربانية  الروحية في بساطتها وتلقائيتها وفطرتها التي فُطِر الناس عليها، ودلت عليها الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
إن معيار التصنيف الإنساني والترتيبي في سلم الحضارة ينطلق من ''التقوى'' التي كانت المقصد الأول من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الماضي وفي الحاضر، الاحتفال بالزاوية البودشيشية مناسبة لضخ دم التقوى في عروق المنتسبين لها على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وصفاتهم الاجتماعية، حجوا كلهم إلى الزاوية في تلك الليلة المباركة ليشهدوا منافع التقوى والتقرب إلى الله تعالى، في أنفسهم وآفاقهم·

إن حقيقة الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم نابعة من محبته وتعظيم قدره، ومناسبة لترسيخ تلك المحبة في القلوب وإبراز مجالي عظمة النبي المحبوب فيما خصه الله تعالى به مما لم يحظ به نبي قبله ولا ملك، وهو صلى الله عليه وسلم من يستحق من المسلم كل محبة وتعظيم لأنه ليس له نظير في الرحمة والرأفة بخلق الله فاستحق صلى الله عليه وسلم أن يصفه رب العالمين الرؤوف الرحيم وذا الخلق العظيم·

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتفل بمناسبات معينة مثل يوم عاشوراء لأن الله تعالى نجى فيه موسى عليه السلام فكيف لا نحتفل نحن بمولد من نجى به الله تعالى العالمين من الشرك والجهل· وقد كان احتفاؤه بمولده صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين من كل أسبوع، فكيف لا يحتفل به المسلمون مرة في السنة على الأقل·

أما عدم قيامه صلى الله عليه وسلم بالاحتفال السنوي بمولده فليس حجة، لأن الترك لا يدل على تحريم أو كراهة إذ الأصل الإباحة فيما لم يرد فيه نهي يفيد تحريمه أو كراهته، وأما الأنواع التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم فمنصوص عليها في كتب أئمة العلم·
وإذا كان أسلافنا الكرام من علماء الأمة الإسلامية العظام رأوا في الاحتفال بالمولد الشريف منذ القرن الرابع الهجري بدعة مستحسنة لما فيها من مناهضة للبدع المستكرهة، ومن تذكير بنعمة الإسلام التي تجسدت في نبيه عليه السلام، فنحن في هذا العصر الذي قوي فيه سلطان المادة واشتد الانحراف الخلقي أكثر من ذي قبل أصبح مثل هذا الاحتفاء تنبيها وتذكيرا للمسلمين بحقيقة الرحمة المهداة من آكد الأعمال· وقد بدأ الاحتفال بالمولد النبوي في مغرب الموحدين عندما حث القاضي العزفي الناس على ذلك الاحتفال وقد لاحظ تسرب عادة الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام وما يصاحب ذلك من بدع مستنكرة·
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الزاوية البودشيشية بمداغ
أما الصوفية عموما فقد عرفوا بتعلقهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنافس في محبته وترسم أحواله فضلا عن العمل بأقواله وأفعاله، كما أنهم كانوا المكثرين من الصلاة عليه بأبلغ الصلوات والدعوات امتثالا لما حض الله عليه المؤمنين، وأنشئوا في شمائله وسجاياه ومكارمه وكرامته أعذب القصائد والمولديات وأرقها، وأقاموا الاحتفالات لإحياء ذكراه فضلا عن مجالس الذكر التي لا تخلو من مدائحه والتغني بفضائله·

وقد دأبت الطريقة القادرية البودشيشية مثل سائر الطرق الصوفية والأمة المغربية قاطبة على الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وإبداء الفرح والسرور اللائقين بمكانته في قلوب شيوخها وأبنائها الذين لا يفترون عن الصلاة عليه في أورادهم واجتماعاتهم في كل أنحاء البلاد·

د·عبد الصمد غازي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية