آخر الأخبار

جاري التحميل ...

البعد التوحيدي للذكر في الإسلام - الوسيلة والغاية- 21

  البعد التوحيدي للذكر في الإسلام (الوسيلة والغاية) (21)

خاتمــــة 

بعد هذه الجولة المتواضعة في عالم الذكر وبعده التوحيدي يتضح لنا جليا وبالأدلة الشرعية والذوقية على الخصوص بالإضافة إلى الاستدلالات العقلية المرتكزة على معطيات الأدلة الشرعية والتجربة الذاتية أن الذكر يمثل روح العبادات في الإسلام والمزكي الأساسي للسلوكات الإنسانية ظاهرا وباطنا. لأنه يشمل كل العبادات والاعمال الشرعية حضورا فيها جملة وتفصيلا، لأنه هو هي وهو منها وهو بها وهو فيها وهو لها وهو إليها فهو هي من حيث أن الذكر يشمل القرآن ومثله معه أي كلام الله وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم الأسوة الموصوفة. 

وهو منها أي أنه يمثل خصوصية تعبدية لفظية قلبية فيها تكرار ومرابطة ورياضة روحية مركزة، ولهذا فهو أخص من المعنى الشمولي للذكر. 
وهو بها أي أنه لا اعتبار للذكر إلا بتأدية الفرائض الأركان والمقيدة بالزمان والمكان التي هي الدليل على صدق الذاكر والتزامه بمحبة المذكور وطاعته. 
وهو فيها أي أنه لا تخلو عبادة من ذكر سواء كانت صلاة أو زكاة أو صياما أو حجا وجهادا. 
وهو لها أي أنه لا إخلاص ولا كمال لعبادة إلا بحضور الذكر ابتداء و انتهاء، تحلية وذوقا، حالا وشوقا. 
وهو إليها أي أنه إلى الاستغراق في العبادة لله الواحد القهار يؤدي بملتزمه حتى يحافظ على وحدة الغاية التي خلق الله من أجلها الإنسان تحقيقا لقوله تعالى : « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون».
وهذا الحضور الشامل للذكر في الإسلام يبقى دائما شرط الشروط لتحقيق كمال العبادات وتصحيح العقيدة والنيات وأداة عملية لتذوق الإيمان بالمباشرة الروحية ومنهجا وجدانيا وقوليا للاستدلال على الله بالاحوال. 
وبهذه الخصوصيات التي يتميز بها الذكر يبقى عاملا أساسيا لتحقيق الوحدة في الامة الإسلامية والتي لا تتأتى إلا بتوحيد الشعور واللاشعور بوحدة الباطن والظاهر وبوحدة العقل والوجدان لتحصيل الإطمئنان، لان الذكر يمثل تمركزا وسلوكا منتظما ومتواصلا نحو الكمال، وبذلك تتحقق الأسوة الحسنة بالذي ملأ الله قلبه بالجلال وعينه بالجمال. 

فمهما وضعت المخططات لتحقيق الوحدة في الامة الإسلامية ومهما عللت أسباب الاضطراب الذي يعاني منه المسلمون في عصرنا الحالي فإن هذه المخططات والتحليلات لن تنال حظها من الفعالية والموضوعية إلا إذا زودت بشحنة روحية أساسها توحيد الشعور والوجدان قبل توحيد الآراء والأبدان، وما الدعوات التي ينادي بها بعض العلماء إلى توحيد المذاهب الإسلامية على مستوى الفقه والعلوم الظاهرية إلا محاولات وتطلعات نحو الوحدة الروحية المفقودة، لأنه إذا لم يتوحد الباطن وتعارف الأرواح فلن يكون في تعاملنا مع بعضنا سوى التناكر والتنافر، إذ توحيد المذهب مسألة نظرية محضة وعمل فكري ترجيحي يميل مع ظروف الترجيح والفرضيات وتطبعه الذاتية في اغلب الأحيان. لكن إذا سبق توحيد المذهب توحيد المشرب وهو انعاش الوجدان بذكر الله تعالى فإن المذهب سيرى موحدا دون أن يتكلف في ذلك، لانه مقتبس مباشرة من روح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة وهذه الأسوة لن تتحقق إلا بالشروط التي وردت في الآية الخاصة بها والتي بها تمت وحدة الصحابة على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت وحدة أشخاص وعقيدة وسلوك. 

يقول الله تعالى : « لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا» صدق الله العظيم.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية