آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل/الجيلي (16)

الباب الخامس عشر في تجلّي الذات

للذات فيك بصرف الراح لذات ...... وكل سمع سواها فهو أشتات
تجلي منزّهة عن وصف واصفها ....لا اعتبار ولا فيها إضافات
كالشمس تبدو فتخفي وصف أنجمها ..... معنى ولكن لها في الحكم إثبات
هي الظلام ولا صبح ولا شفق ..... ودون منزلها للوفد تيهات
وكم دليل حدي للركب يقصدها ..... فحار فيها ولم يحدي الشمالات
خفية السبل لا رسم ولا علم ..... آنية الوصل تحميها الأبيات
لها دميس طريق دارس حرج ...... ودونه لسر الوهم وقفات
كالجهل أمست علوم العالمين لها ..... سببان في حبها رشد وغيات
لم يظفر العقل يوماً من صرافتها ..... مزجاً وليس لفكر ثم نشوات
ولا لنار الهدى في سبلها علم ...... ولا لنار البقا فيها إضاءات
طرق وأوّل من حارت أدلتها ..... فيها فلا حيوا فيها ولا ماتوا
أوصافها غرقت في بحر عزّتها ..... دون الوفا فهي عند الكنة أموات
فلا سبيل إلى استيفاء ماهية ..... باسم ونعت تعالت ذلك الذات

اعلم أن الذات عبارة عن الوجود المطلق بسقوط جميع الاعتبارات والأوصاف والإضافات، والنسب والوجوهات لا على أنها خارجة عن الوجود المطلق، بل على جميع تلك العبارات وما إليها من جملة الوجود المطلق. وهذا الوجود المطلق هو الذات المطلق السادج الذي لا ظهور فيه  فيه لاسم ولا نعت ولا نسبة ولا إضافة ولا لغير ذلك.
فمتى ظهر فيها شيء مما ذكر نسب ذلك المنظر إلى ما ظهر فيها لا إلى الذات الصرف،
إذ حكم الذات في نفسها شمول الكليات والجزئيات والنسب والاعتبارات لا بحكم بقائها، بل بحكم اضمحلالها تحت سلطان أحدية الذات، فمتى اعتبر فيها وصف أو اسم أو نعت كان حكم المشهد لذلك المعتبر لا للذات.

ولهذا قلنا: إن الذات هي الوجود المطلق، ولم نقل الوجود القديم ولا الوجود الواجب لئلا يلزم من ذلك التقييد، وإلا فمن المعلوم أن المراد بالذات هنا إنما هي ذات واجب الوجود القديم، ولا يلزم من قولنا الوجود المطلق أن يكون مُقيداً بالإطلاق لأن مفهوم المطلق هو ما لا تقيد فيه بوجه من الوجوه فافهم. فإنه لطيف جداً. واعلم أن الذات الصرف الساذج إذا نزلت عن سذاجتها وصرافتها كان لها ثلاث مجالي ملحقات بالصرافة والسذاجة.

المجلى الأول : الأحدية، ليس لشيء في الاعتبارات ولا الإضافات ولا الأسماء ولا الصفات ولا لغير ذلك فيها ظهور، فهي ذات صرف ولكن قد نسبت الأحدية إليها ولهذا نزل حكمها عن السذاجة.

والمجلى الثاني: الهوية، ليس لشيء من جميع المذكور فيه ظهور إلاَّ الأحدية فالتحقت بالسذاجة لكن دون لحوق الأحدية لتعقل الغيبوبة فيها من طريق الإشارة إلى الغائب بالهوية فافهم.

المجلى الثالث: الإنية، وهي كذلك ليس لغير الهوية فيها ظهور البتة، فالتحقت أيضاً بالسذاجة لكن دون لحوق الهوية لتعقل التحدي فيها والحضور والحاضر والمتحدي أقرب إلينا رتبة من الغائب المتعقل المبطون فافهم وتأمل،قال الله تعالى: { إنه أنا الله} فإنه إشارة إلى الأحدية لأنها إثبات محض لا تقييد فيها.

وكذلك الأحدية ذات لا تقيّد فيه بشيء دون غيره، و(هو) في قوله إشارة إلى الهوية الملحقة بالأحدية ولهذا برزت مركبة، مع "إنَّ". و" أنا " إشارة إلى الهوية الملحقة بالأحدية والإنية ، ولهذا كانت المعول عليها في الإخبار بأنه الله، واستند الخبر وهو الله إلى "أنا" تنزيلاً للإنيّة منزلة الهوية والأحدية. والجمع عبارة عن الذات الساذج الصرف وليس بعد هذه الثلاث الاّ مجلي الواحدية المعبر عنها بالالوهية التي استحقها الاسم "الله"  وقد دلت الآية بالترتيب على ذلك فليتأمل.
وإذا قد فهمت ما قلناه ، فاعلم أن الذاتين عبارة عن من مكان اللطيفة الإلهية فهم ذاتية، وقد سبق فيما قلنا أن الحق إذا تجلى على عبده وأفناه عن نفسه أقام فيه لطيفة الإلهية.
فتلك اللطيفة قد تكون ذاتية وقد تكون صفاتية، فإذا كانت ذاتية كان ذلك الهيكل الإنساني هو الفرد والجامع والغوث الكامل، عليه يدور أمر الوجود، وله يكون الركوع والسجود، وبه يحفظ الله العالم، وهو المعبر عنه بالمهدي والخاتم وهو الخليفة، وأشار إليه في قصة آدم، تنجذب حقائق الموجودات لامتثال أمره انجذاب الحديد إلى حجر المغناطيس، ويقهر الكون لعظمته ويفعل ما يشاء بقدرته، فلا يحجب عنه شيء.

وذلك أنه لما كانت اللطيفة الإلهية في هذا الولي ذاتاً ساذجاً غير مقيد برتبة لا حقيقية إلهية ولا خلقية عبدية، أعطى كل رتبة من رتب الموجودات الإلهية الخلقية حقها، إذ ما ثمة شيء يمسكه من إعطاء الحقائق حقها، والماسكة للذات إنما هو تقييدها برتبة أو اسم أو نعت حقيقة كانت أو خلقية، وقد ارتفعت الماسكة لأنها ذات ساذج، كل الأشياء عنده بالفعل لا بالقوة لعدم المانع.

وإنما تكون الأشياء في الذوات بالقوة تارة وبالفعل أخرى إلاّ لأجل الموانع، فارتفاعها إما موارد على الذوات أو صادر عنها، وقد يتفق ارتفاع المانع لها في الله أو  بحال أو وقت أو صفة أو نحو ما ذكر.

وقد تنزَّهت الذات عن جميع ذلك، فأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ولولا أن أهل الله منعوا من تجلي الأحدية فضلاً عن تجلّي الذات، لتحدثنا في الذات بغرائب تجليات وعجائب تدليات إلهية ذاتية محضة ليس لا اسم ولا وصف ولا غيرهما مجال ولا دخول، بل كتاب نزله من مكنون خزائن غيبه بمفاتيح غيبه على صفحات وجه الشهادة بألطف عبارة وأظرف إشارة، فينفتح بتلك المفاتيح مغلق أقفال القلوب، فيلج جمل العبد من سم خياط الوصول إلى جنة ذاته المحفوظة بحجب الصفات المصونة بالأنوار والظلمات{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية