آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كشف الغطاء في طريق الصوفية / ابن خلدون (26)

وحاصله في ترتيب صور الموجودات عن الواجب الحق : أن آيته الحق هي الوحدة، فنشأت عنها الأحدية والواحدية، وهما اعتباران للوحدة، لأنها إن أخدت من حيث سقوط الكثرة وانتفاء الاعتبارات فهي الأحدية، وإن أخدت من حيث اعتبار الكثرة والحقائق غير المشاهية فهي الواحدية، ونسبة الواحدية إلى الأحدية، نسبة الظاهر إلى الباطن، والشهادة إلى الغيب، فهي مظهر للأحدية بمنزلة المظهر للمتجلي، ثم تلك الوحدة الجامعة التي هي عين الذات وعين قبولها للاعتبارين، أعني اعتبار الباطن وتوحده عن الكثرة، واعتبار الظاهر وتكثره، فهي بين البطون والظهور كالمتحدث في نفسه مع نفسه.

ثم أول مراتب الظهور ظهوره لنفسه، وأول متعلق الظهور الكمال الأسمائي للحديث مع نفسه، وأول التجليات تجلي الذات الأقدس على نفسه، وأول التجليات تجلي الذات الأقدس على نفسه، وينقلون في هذا حديثاً نبويًّا يجعلونه أصل نحلتهم، وهو : (كنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرَفَ، فخلقتُ الخلقَ ليعرفوني)، والله أعلم بصحته، مع أنه لا يشهد - ولو صح - بتفاصيل هذا المذهب، ولا يقوم له بدليل واضح.

ثم تضمن هذا التجلِّي عندهم الكمال، وهو إفاضة الإيجاد والظهور، وليس هو من حيث الأحدية التي هي سلب الكثرة، بل من حيث الواحدية التي هي المظهر، وتنقسم إلى كمال وحداني، وكمال أسمائي، لأن تلك الكثرة التي اعتبرت من حيث حصولها جميعا دفعة واحدة، وعينا واحدة في شهود الحق، فهو الكمال الوحداني، وإن اعتبرت من حيث التفصيل في الحقائق، وهذه عندهم هي عالم النعاني والحضرة العمائية وهي الحقيقة المحمدية، ومن أعيان كثرتها حقيقة القلم واللوح، ثم حقيقة الطبيعة، ثم حقيقة الجسم إلى آدم حقيقة ووجوداً، وتشتمل الحضرة العمائية عندهم من حيث اعتبار الكثرة والتفصيل على الحقائق السبعة الأسمائية التي هي الصفات، وأشملها واوعبها حقيقة الحياة، ثم على حقائق الأنبياء والرُّسل والكمَّل من المحمديين الذين هم الأقطاب وعلى حقائق الأبدال السبعة، وهي كلها تفصيل الحقيقة المحمدية، ثم تتفرع من الحقائق التي هي الأصول والمناشئ حقائق أخرى، وتجليات ومظاهر للذات الأحدية، وتترتب على أنواع في الترتيب حتى تنتهي إلى عالم الحس والشهادة، وهو عالم الفتق يسمونها عوالم وحضرات ومجالي للحقائق المنسوبة إلى الحق تارة، وإلى الكون أخرى، وأول حضرة وليت الحضرة العمائية عندهم هي الحضرة الهبائية وتسمى مرتبة المثال، ثم العرش، ثم الكرسي، ثم الأفلاك على ترتيبها، ثم عالم العناصر، ثم عالم التركيب إلى آخره وغايته، وما دامت هذه كلها منسوبة إلى الحق، وفي اعتبار الذات البرزخية الجامعة على تفاصيلها، وتوالي رتبها منهي في عالم الرتق، فإذا نسبت إلى الكون وتجلَّت في مظاهره فهي في عالم الفتق، إلى تفصيل كثير وعبارات مبهمة، واصطلاح شارد.

حاصله - إذا خلص وهذب واتَّضح للفهم موضوعه ومسائله - أنه ترتيب للوجود قريب من ترتيب الفلاسفة، شبيه بآرائهم الكسبية وعلومهم، من غير برهان يشهد له، ولا دليل يقوم عليه.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية