وأما منازل السائرين فهي ما ينزلها العبد في سيره، ثم ينتقل منه إلى ما هو أعلى منها، وهي ثلاث مقاماتٍ : مقام الإسلام، ومقامُ الإيمان، ومقامُ الإحسان. وفي كل مقام ثلاثةُ منازِل.
فمقام الإسلام فيه ثلاثةُ منازل : مَنزل التوبة والتَّقوى والاستقامة.
ومقامُ الإيمان فيه ثلاثةُ منازل : مَنزِل الإخلاص والصِّدق والطمأنينة.
ومقام الإحسان فيه ثلاثة منازل : مَنزل المُراقبة والمُشاهدة والمعرفة.
هكذا ذكره الساحلي في بُغْيَتِهِ. فمقام الإسلام لإصلاح الجوارح الظاهرة، ومقام الإيمان لإصلاح القلوب الباطنة، ومقامُ الإحسان لإصلاح السَّرائر الغيبية. ويسمَّى الأول : علم الشريعة، والثاني : علم الطريقة. والثالث : علم الحقيقة.
فالتَّوْبَة لها ثلاثُ درجاتٍ : تَوْبَة العوام، والخواصّ، وخواصّ الخواصّ.
فتوبة العوام مِنَ الذنوب والسيئات.
وتَوبة الخواصِّ منَ الهفواتِ والخطراتِ.
وتَوبة خواصِّ الخواصّ من شُهُود الحسِّ والفتراتِ.
وتَوبة خواصِّ الخواصّ من شُهُود الحسِّ والفتراتِ.
والتقوى لها ثلاث طبقات : تقوى العوام من الكبائر والصغائر، وتقوى الخواص من الهواجسِ والخواطرِ، وتقوى خواص الخواص من رؤية الأغيار.
والوقوف مع الأنوار مثل الوقوف مع المقامات والكرامات.
والاستقامة لها أيضاً ثلاث درجات :
استقامة العوام : وهي مُتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله الظاهرة.
استقامة العوام : وهي مُتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله الظاهرة.
واستقامة الخواص : وهي متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأخلاقه الباطنة.
واستقامة خواص الخواص : هي مثتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في معارفِهِ وأسراره الغيبية.
ثم إن هذا القسم الذي ذكرنا في التَّوبة والتقوى والاستقامة إنما يليق منها بمقام الإسلام القسم الأول فقط، فتوبةُ العوام لأهل مقام الإسلام، وتوبة الخواصّ لأهل مقام الإيمان، وتوبة خواص الخواص لأهل مقام الإحسان، هكذا التقوى والاستقامة مُرَتَّبة على المقامات الثلاث.
قال في البُغْيَة : فالإسلام له معنى يخُصُّه، وهو انقياد الظاهر، بما يكلف به من وظائف الدين مع ما لا بدَّ منه من التصديق . والإيمان له معنى يخصُّه : وهو تصديق القلب بجميع ما تضمَّنه الدِّين من الإخبار بالغيوب مع ما لا بد منه من شُعَبه. والإحسان له معنى يخصُّه، وهو تحسين جميع وظائف الدِّين الإسلامية والإيمانية، بالإتيان بها على أكمل شروطها، وأتم وظائفها، خالصة من جميع شوائب عِللها، سالمة من طرفِ آفاتها. ثم إن الإسلام داخلٌ تحت نطاق الإيمان إذ لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له.
وهذه نكتةٌ بديعةٌ توضح لنا ما كان خفيًّا على بعض الناس، وذلك أنَّ الشرع سمّى كل مقام بما يَغلُبُ عليه، فإذا غلبت أوصاف الظّاهر سمِّيَ بالإسلام ومتى صار الظاهرُ يستمدُّ من أنوار الباطن سُمِّيَ بالغالبِ عليه وهو الإيمان. فإذا تصفَّتِ النفس وتطهَّرت وصارت نوراً يضيء منه الباطن سُمِّيَ بالغالب عليه وهو الإحسان، فأعطي الاسم للغالبِ على عادة العرب في إعطاء الحُكْم للغالبِ. وكلّ مقام لا بدّ أن يكون فيه من غيره من مُقِلٍّ ومن مُكْثِرٍ، وليس قولنا مقام الإسلام نعني به أنه عريّ عن غيره من إيمان وإحسانٍ وكذلك مقام الإيمان والإحسان. فإذا غلبت على السَّالك أوصافُ مقام من هذه المقامات سُمِّيَ بها، وقد يُسمَّى بالمقام من حصل على بَعضِهِ بنوعٍ من الاتِّساعِ، والمجاز الأول أقرب للحقيقة.
رائع جوزيتم خيرا
ردحذف