قال أبو العباس أحمد بن محمد الفضل النهاوندي : سمعت شيخي جعفر بن محمد الخلدي يقول :
كنتُ مع الجنيد في طريق الحجاز حتى صرنا إلى طور سيناء فصعده الجنيد وصعدنا معه، فلما وقفنا في الموضع الذي وقف فيه موسى عليه السلام وكان معنا قوَّال، فأشار إليه الجنيد أن يقول شيئا، فقال أبياتاً فتواجد الجنيد وتواجدنا معه، فلم يدرِ أحد منا أفي السماء نحن أو في الأرض، وكان بالقرب منا دير فيه راهب فنادانا : يا أمة محمد بالله أجيبوني، فلم يلتفت إليه أحد لطيب الوقت، فنادانا ثانيا : بدين الحنيفية إلا أجبتموني، فلم نجبه، فنادانا الثالثة : بمعبودكم، فلم نجبه. فلما تمَّ السماع وهمَّ الجنيد بالنزول قلنا له : هذا الراهب أقسم علينا، فقال : ارجعوا بنا إليه لعلَّ الله يهديه للإسلام، فناديناه فنزل إلينا وسلم علينا فقال أيما منكم الأستاذ ؟ فقال له الجنيد : كلنا سادات، فقال : لا بدَّ من واحدٍ، فأشاروا إلى الجنيد فقال : أخبرني عن هذا الذي فعلتموه هو مخصوص في دينكم أو معموم ؟ فقال : بل هو مخصوص، فقال : بأي نية تقومون ؟ فقال : بنية الرجاء والفرح بالله عز وجل، فقال : بأي نية تسمعون ؟ فقال : بنية السماع من الله تعالى، فقال : بأي نية تصيحون ؟ فقال : بنية إجابة العبودية الربوبية لما قال الله تعالى للأرواح (ألستُ بربِّكُم قالوا بلى شهدنا) قال : فما هذا الصوت ؟ قال : نداء أزلي، فقال : بأي نية تقعدون ؟ قال : بنية الخوف من الله تعالى، فأسلم الراهب وحسن إسلامه.
فقال له الجنيد : بمَ عرفت أني صادق ؟ قال : إن في الإنجيل أن خواص أمة محمد صلى الله عليه وسلم يلبسون الخرقة، ويأكلون الكسرة، ويرضون بالبلغة، ويقومون في صفاء أوقاتهم بالله يفرحون، وإليه يشتاقون، وفيه يتواجدون، وإليه يرغبون، ومنه يرهبون، وعليه يتوكلون.
ثم بقي الراهب معنا ثلاثة أيام على الإسلام ومات رحمه الله.