ونُقولٍ معتمدا، حبيبنا الشيخ الفاضل، والمحقق الكامل، عبد الله بنُ داود، أمده بمدده الممدود، وأعزه بعزه المورود، وحفظه من شر كل حسود، في كتابه الموسوم ب"الصواعق والرعود"، وهو كتاب مخزون بالعجائب ومشحون بالغرائب، عظيم النفع جليل الشأن، واضح البرهان، لا نعرف كتابا في هذا النمط أشرف منه وأعظم، ولا أنفس منه وأتم، من شأنه أن يُكتب سطوره بالنور على حدود النور ظاهرا، ويُنقش معانيه بقلم العقل على لوح القلب باطنا، ومن أراد أن يعرف دسائس الشيطان التي ألقاها إلى ابن سُعود، فعليه مطالعة "الصواعق والرعود"، فإنه كتاب غريب، في صنعه عجيب، وكان التصدي لإبطالها فرض كفاية على علماء المسلمين، لئلا يغتر بها عوام المؤمنين، ويصير الوزر عليهم أجمعين، فجزا الله حضرة الشيخ عبد الله بن داود، حيث أبطلها في "الصواعق والرعود"،أحسن الجزاء، حيث رفع الوزر عنه وعنهم في دار الجزاء.
والشياطين كما قال المحققون قسمان : قسم معنوي وقسم حسي، والقسم الحسي على قسمين : شيطان إنسي وشيطان جني، قال الله عز وجل :{شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ} الآية. وحدث فيما بينهما في الإنسان شيطان معنوي، وذلك أن شيطان الإنس والجن إذا ألقى مَنْ ألقى منهم في قلب الإنسان أمراً يُبعدُه عن الله به، فقد يُلقى أمرا خاصا ويتركه ثم تَتَفَقَّهُ فيه النفسُ وتستَنْبطُ منه أُموراً إذا تكلم بها يعلمها الشيطان ولا يَعلمها قبلُ، فتلك الوجوه التي تنفتح له في ذلك الأمر الذي ألقاه ولا شيطان الإنس أو شيطان الجن تسمّى الشياطين المعنوية لأن كل واحد من شياطين الإنس والجن يجهلُها وما قُصدَ بها على التعيين، وإنما أراد بالقصد الأول فتح هذا الباب عليه لأنه علم إن في قوته وفطنته أن يدقق النظر فيه فينقدحَ له من المعاني المهلكة ما لا يقدر على ردها بعد ذلك، وسبب ذلك الأصل الأول الذي إلقاه إليه، فإنه اتخده أصلا صحيحاً وهو أصل صحيح في نفس الأمر وعوّل عليه، فلا يزال التفقه فيه يَسرقه حتى خرج به عن ذلك ووقع في الخسران والحرمان والهلاك، وعلى هذا جرى أهل البدع والأهواء، فإن الشياطين ألقت إليهم أصلاً صحيحاً لا يشكون فيه، ثم طرأت عليهم التلبيسات من عدم الفهم حتى ضلوا وأضلوا، فينسب ذلك إلى الشيطان بحكم الأصل، وما علموا أن الشيطان في تلك المسائل تلميذ لهم يتعلم منهم مثل الشيعة، دخلت عليهم شياطين الجن أوَّلاً بحب أهل البيت واستفراغ الحب فيهم، ورأوا أنَّ ذلك من أسنى القربات إلى الله، وكذلك هو في نفس الأمر لو وقفوا عنده ولا يزيدون عليه، إلا أنهم تعدَّوا من حب أهل البيت إلى بغض الصحابة رضي الله عنهم وسَبّهم، حيث لم يقدّموهم، وتخيَّلوا أنَّ أهل البيت أولى بهذه المناصب الدنياوية، حتى إلى القدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي جبريل عليه السلام، وفي الله عز وجل، حيث لم ينُصّوا على رتبتهم وتقدمهم في الخلافة للناس حتى أنشد بعضهم :
ما كان مَنْ بَعَثَ الأمينَ أمينَ
وهذا كله واقع من أصل صحيح وهو حب أهل البيت، أنتج في نظرهم فاسدا فضلوا وأضلوا وانسلخوا من الدين كما تنسلخ الحيَّة من جلدها.
وإذا عرفتم هذا وتأملتم يُعرفُ أن مبنى هذه الرسالة أصل صحيح ألقاه الشيطان إلى صاحبها أوَّلاً وهو وجوب التوحيد في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله بأن لا يستعان عليها بغير الله قال تعالى : {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وقال صلى الله عليه وسلم : {لا يُستَغاثُ بي وإنما يُستَغاثُ بالله} وعول عليه، ورأى أنه من أسنى القربات إلى الله وهو كذلك في نفس الأمر، لو وقف عنده وما زاد عليه وما تعدّى وعلى وبغى بتفقه في ذلك فقهاً نفسيا شيطانيا لا مَلَكيا رحمانيا، وطرأت عليه التلبيسات الشيطانية ويستنبط منه أمورا إذا تكلم بها يعلمها الشيطان ولا يعلمها قبلُ وهو فيها تلميذ له يتعلم منه.