هل عملت مع المتوسلين بالأنبياء والرسل والأولياء والمستشفعين في قولهم إنهم وسائل، قال تعالى : {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}ووسائط لا آلهة إلى رب العالمين، مثل ما عمل سيد الأنبياء والمرسلين مع المنافقين مع أنك تقول : "نحن ندعو إلى العمل بالقرآن العظيم الذي فيه كفاية" فأين العمل بالقرآن؟ وقال تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه} فأين الاتباع لرسول الرحمن الذي أُنزل عليه القرآن ؟ لا بل عملت معهم بضد ذلك، فالله يجزيك على ذلك، والظاهر أن هذا بإلهام رباني، قال تعالى :{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}أو بوَحْيٍ شيطاني، قال تعالى : {شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}.
على أن في التوسل والاستشفاع بهم أمرا عظيماً، وحكمة باهرة، وهو تبيّن صدقهم في التوحيد أو كذبهم؛ لأن الله تعالى لمّا خلق هذه النشأة الإنسانيّة وشرَّفها بما شرَّفها به، ركَّب فيها الدعوى، فمن ادعى دعوة صادقة لم يتوجّه عليه حجَّة، ولما كانت الدعوى خبر، والخبر نسبة الصدق والكذب إليه على السواء، لا بدّ من الاختبار، فادعاء المؤمن الإيمان وهو التصديق بأحديته، وأنه لا إله إلا هو، بيده النفع والضر، وأنه يحيي ويميت، وأن الأمر لله من قبل ومن بعد، فلما ادعى بلسانه أن هذا ما انطوى عليه جنانه وربط عليه قلبه، احتمل أن يكون صادقاً فيما ادعاه، أو كاذباً فأجره الله لإقامة الحجة له أو عليه، بما نصب له بين عينيه الوسائل والوسائط، وأوقف حاجته عليها وعلى يديها، فإن رَزَقهُ الله نوراً يكشف ويخرق سدرة هذه الوسائل والوسائط، فيرى الحق من ورائها قال تعالى : {وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ} نافعاً وضارًّا وخالقاً، وموجداً لحاجته التي اضطر إليها، وكان حاضراً مع الله عند توسله، أن الله هو المسؤول، والذي بيده ملكوت كل شيء، فذلك المؤمن الذي هو على نور من ربه، الصادق في دعواه، بالعناية الإلهية التي أعطاه، وأخرجه من الشرك الجلي والخفي، ويكتال بالكيل الوفي "وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ" فقال بربوبية خالقه في أخد الميثاق، فلمّا أوجده على تلك الفطرة، فقال بألوهية الوسائل والوسائط، وجعلها حجباً بينه وبين الله، فأضاف الألوهية لغير مستحقها، وجعلها آلهة، فلم يصدُق في قوله : أنه لا إله إلا الله، وقال : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ولئن العجب إلا ممَّن كثَّرَ الآلهة، والذي لم يقل بنسبة الألوهية إلى الوسائط، ولكنه لم يرى إلا الوسائط وما حصل له من العلم ما يخرجه منها مع توحيد الألوهية، كان مشركاً شركاً خفيًّا مغفوراً إن شاء الله.
إذا علمتَ هذا، فالمتوسل والمتشفع بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إمّا من القسم الأوّل، أو الثالث، لا الثاني؛ لأنه ما يسمّيهم آلهة، حاشاه من ذلك، بل يسمِّيهم وسائل ووسائط، كما قلتَ أنتَ نقلاً عنهم، إلا أنك قلتَ قال بغياً وعناداً.