الفصل الرّابع والعشرون
في بيان الخاتمة النزعة
ينبغي أن يكون السّالك فطنا بصيرًا ناظرًا إلى خواتيم الأمور، ويتفكر في إدبارها، ولا يغترّ بظاهر الأحوال، فقد اتفق أهل التصوّف أنّ السّالك إلى الأحوال يغفل عن محوّلها كما كما قال الله تعالى : {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : الآية 99]، وكذلك قال الله تعالى في الحديث القدسي : "يا مُحمَّد بَشِّرِ المُذْنِبينَ بِأَنّي غَفُورٌ، وأَنْذِرِ الصَّادِقينَ بِأَنّي غَيُورٌ".
فإن كرامات الأولياء وأحوالهم غير مأمونة من المكر والاستدراج، بخلاف معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام فإنها مأمونة من ذلك أبداً، وقيل خوف سوء الخاتمة سبب النجاة من سوء الخاتمة غالباً لئلا تخدعه البشريّة؛ فيقطع سبيله من حيث لا يشعرون.
قالوا : في الصحة يكون الخوف غالباً، وفي المرض يكون الرجاء غالباً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يموتن أحدكم إلّا وهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ" يعني : يتفكّر بسُبْقَةِ رحمته على غضبه وبسِعَة رحمته واستعانته، إنه أرحم الراحمين، فَيَفِرُّ من قهره إلى لُطفه، ويفِرُّ منه إليه متذلِّلاً متضرِّعاً مُعتذراً متملِّقاً معترفاً بذنبه في بابه، فيتوقّع فيض ألطافه ورحمته على ذنبه، إنّ الله هو البرّ الرحيم، والجواد الكريم.
اللهم يا هادي الملّين، ويا راحم المذنبين، علمك كاف عن المقال، وكرمك كاف عن السؤال، اللهم صل على سيد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، يا رب العالمين.
تمت الرسالة بتوفيق الله