لكن قبل التطرق إلى هذه المحاور الثلاثة (الله، والكون، والإنسان) نود الإشارة إلى بعض النقاط التي نعتبرها بمثابة تنبيهات.
النقطة الأولى تكمن في استحالة الإحاطة بها من حيث ذاتها، فإن كان لها ذات فهي لا تطيقها العبارة ولا تتحملها، كما قال ابن العربي: "بل لا تركبه العبارة أصل ولا الإشارة ولكن يدرك بالكشف".
أما النقطة الثانية هو أن الكلام أو الألفاظ التي نستعملها كأداة اصطلاحية للتعبير عن المعاني هي في ذاتها حجب لتلك المعاني، بمعنى أنه كلما أرادت العبارة احتواء مفهوم أو اقتناص معنى حصرت واختزلت ذك المعنى. فإن قربت العبارة المفهوم وحالفها التوفيق، تكون قد أحاطت ببعض الاحتمالات للخطاب الروحي، لأن الخطاب الروحي الصوفي يشتغل بمواضيع لا حصر لها في ذاتها نقصد المحاور الثلاثة المشار إليها سابقا.
والتصوف سلوك وممارسة وتجربة روحية قبل أن تطرأ عليه الأفكار النظرية والمباحث الفلسفية، فموضوعه علاقة الإنسان بخالقه، وكل ما توجبه هذه العلاقة من الإذعان والخضوع لقدرته، وطمع في نعمه التي لا تنفك عن الإنسان وسائر المخلوقات، ألا وهي نعم الإيجاد والإمداد، أوجد الخلق أي خلقه، وأمده من فضله حتى لا يزول ويضمحل، وسبحان من لا تنفذ خزائنه مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾.
إ ن جل ما كُتب في فن التصوف لا يخلو من التعريف بالله وذكره ووصفه على أنه الواجد والممد لخلقه بفضله ونعمه، وأن المخلوقات لا حول ولا قوة لها إلا به، فغاية السالك هو التعرف على موجده، وكلما ارتقى في معرفته به زاد اعترافه بحق ربوبيته وألوهيته، فقد أورد بن أبي الدنيا في كتاب التوبة : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ ، أنبا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أنبا مِسْعَرٌ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ ، قَالَ: "إِنَّ حَقَّ اللَّهِ أَثْقَلُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْعِبَادُ ، وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا الْعِبَادُ".