ثم أوضحوا بعد ذلك اتفاق معاني اصطلاحاتهم وأغراضهم فيها، مفصلين بأن:
- الذين قالوا الهيولي والصّورة: «عنوا أنَّ العقل صورة للنّفس وتمامية لها، وأنّها هيولي له لقبولها إنارته، وإشراقها بنوره، فهو مودعها صورة التّمام، ومبلغها إلى درجة الكمال.
- ومنهم من قال: «النّور والظّلمة، عنى بالنّور نور العقل، وصفوه الذي لاكدر فيه، وبالظّلمة النفس لميلها إلى الطبيعة، فتظلم عليها سبلها إذا أقبلت عليها، وتخلت عن العقل، فتكون حينئذ ظلمة مظلمة».
- وأمّا من قال: الرّوحاني والجسماني. فإنّما يقصد بالروحاني العقل « إذ هو روح القدس محضاً، لاكدر فيه ولاكثافة تلحقه، وعنى بالجسماني النّفس بالنسبة للعقل، لاتحاهدها بالأجسام، وميلها إلى الطبيعة، والنفس روحانية بوجه إقبالها على العقل، وجسمانية بوجه إقبالها على الطبيعة».
- وأما من قال: البسط والقبض، فهو يريد بالبسط «بسط العقل أنواره وفوائده ونعمه عنها على النفس، وبالقبض النّفس لقبضها ما تستفيد منه، وإفادتها من دونها وقبضه وأخذه منها».
- وأما من قال: المحبة والشوق ، فإنّما أراد بالمحبة «إقبال العقل على النّفس بالمحبّة، إذ هو كالأب، وأمَّا الشوق فشوقها إلى فوائده وتلقيها نعمه».
- وأما من قال: الحركة والسّكون، فإنما مراده بالحركة العقل «لتحركه بأمر مبدعه لظهور الأشياء عنه، وبالسكون، النفس لسكونها إليه، وطمأنينتها به».
- وأّما من قال: الوجود والعدم، فقد ابتغى بالوجود العقل «الذي هو أول موجود قبل فيض الجود، من السيِّد المعبود، لا إله إلا هو، وهو سبب كل موجود، والعدم عنى به النفس إذكانت معدومة لولا العقل، فهي بالنسبة إليه وبتقدمه عليها عدم، وهو أصل وجودها».
- وأما من قال: الزمان والمكان، فإنه يهدف بالزمان العقل « إذ هو زمان الأزمنة ودهر الدّاهرين، وعنه بدأت الحركة التي هي أصل الزّمان، وعنى بالمكان النّفس، إذكانت مكانا لما يلقي إليها العقل من فوائده، وبلغها ذلك وتلِّقيها ذلك، واتساعها له، فهي المكان وهو المتمكن، وهو الزمان، وهي المتزامن».
- وأما من قال: الدنيا والآخرة، فمراده بالدنيا النفس«إذ كانت هي سبب عمارتها وحياة عالمها، وبالآخرة العقل، إذ هو دار الحيوان وجوار الرحمن».
- وأما من قال: العلة والمعلول، فيريد بالعلة العقل، وبالمعلول النفس« إذكان العقل علة للنفس وهو سبب وجودها ».
- وأما من قال: المبدأ والمعاد، فهو يعني بالمبدأ العقل« إذ هو أصل بداية الأشياء، وبالمعاد النفس إذ إليه عوّدها وقت استفادها وقبول مادتها».
- ومن قال: الظاهر والباطن، فالمراد بالظاهر عنده العقل « لظهور آياته وبيان موجوداته، وبالباطن النفس لبطون جريان قواها، وكمون روحانياتها في بواطن المحسوسات، وخفيات الجسمانيات، ولطائف الطبيعيات. فبهذا البيان وصحة هذا البرهان قد اتفقت أقوال الحكماء في مقاصدها وأغراضها، واختلفت في لغاتها وألفاظها ».
- فأقرّوا بذلك بأن للكون خالقا لكن وصفوه بأسماء مغيرة كالمبدع الأول أو العقل الأول، لكن المتصوفة اقتبسوا الحكمة من القدامى كونها ضالّة المؤمن وأنّما وجدها فهو أحق بها، فأسَّسوا لمفاهيمها بما جاء في أصول الشريعة، وإن كانت بعض كتبهم لا تخلو من النقد لاعتمادها على الفكر النظري كما هو شأن قطب المتصوفة محي الدين بن عربي موضوع بحثنا في كتاباته.