مَعْصِيَةُ أَهْلِ اليَقِينِ كُفْرٌ وَمَعْصِيَةُ أَهْلِ الإِيمَانِ نَقْصٌ
معصية أهلِ اليقين كفر عندهم للإخلال به، ولأن حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين. فعلى قدر الصّعود يكون الهبوط، ومن ذلك قول سيّدي عمربن الفارض رحمه الله تعالى ورضى عنه:
ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا قضيت بردتي
ومعصية اهل الإيمان بالغيب نقص فيه لما مرّ.
واعلم أنّ الخاطر ما يرد على القلب بإرادة الربّ وهو خمسة اقسام : خاطر ربّاني وهو هاجس، والعلم اللدني لا يخطئ أبدا، وخاطر ملكى وعقلي ونفسانى وشيطانىّ. والربّانى يرد من حضرة الربوبيّة و من حضرة الرحمانيّة و من حضرة الإلهيّة. والفرق بينهما أن الربّانىّ يرد بالجلال، والرحماني بالجمال، والإلهيّ بالكمال، والأول يمحق ويفني، والثانى يثبت ويبقي، والثالث يصلح ويهدي.
والعبد يستعدّ فى الجلال بالصبر، وفى الجمال بالشكر، وفى الكمال بالسكينة. والثلاثة للعارفين. والخاطر الملكى والعقلى لأهل المجاهدة، والنفسانىّ والشيطانى لأهل الغفلة. والخاطر إذا تمكّن صار همًّا، وإذا تمكّن ثانيا صار عزمًا، ويصير قبل الشروع قصدًا، ومع أول الفعل نيّة.
المُتَّقِي مُجْتَهِدٌ وَالمُحِبُّ مُتَّكِلٌ والعَارِفُ سَاكِنٌ والمَوْجودُ مَفْقُودٌ.
المتّقي فى بدايته مجتهد فى عبادته بصدق وإخلاص فيهتدي بها إلى طريق الحقِ. قال تعالى, "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" وقال بعضهم : "مالم يكن فى بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريق شمة" والمحبُّ الصادق متّكلٌ أي معتمدٌ على محبوبه؛ لأنه لما دخل حضرة المحبوب بعد المجاهدة وأُرِيَ منّة الله عليه فنى عن عمله ووجوده، واتّكل على ربّه تعالى.
فالمجتهد واقف مع علمه ووجوده، والمحبُّ فنى عنهما باستغراقه بمحبوبه، فهو فى راحة بشهوده له، والعارفُ بالله ساكن إليه لايتحرك ولا يخطر له خاطر إلاّ بإذنه، والموجود بالله مفقود عمَّا سواه تعالى، فعلم أنه :
لا سُكونَ لمُتّقٍ ولا حَركةَ لمُحبٍّ ولا عَزْمَ لعارفٍ ولا وُجودَ لمفقودٍ وسكونٍ.
لا سكون لمتّق لتحركه فى اجتهاده فى عبادته، ولا حركة لمحبٍّ لأنه فنى عن مراده بمراد محبوبه، ولا عزم لعارف لأنه لا يرى فى الوجود إلاّ الله لأنه قد فنى عن وجوده وإرادته لوجود الله وإرادته، فلا عزم له يراه، ولا وجود لمفقود أي لمن غاب وجوده عن نظره بموجوده.