والعمل في سُلوك هذه المقامات، هو الأخد بالبدايةِ حتى إذا أحكمَهَا واتَّصَف بمُقتضاها، بلَّغته إلى النهاية، ولا يتمكَّن قدماً إلى النهاية حتى يتخلّص من وظائف البداية، أو يقارب على الخلاص، إذ لكلِّ مقامٍ من هذه المقامات بداية وتمكين ونهاية.
قلتُ : المُرادُ بالتَّمكين : التَّمكين من السَّيْرٍ. فبِداية الإسلام التَّوبة وتمكينُ الاستقامة، ونهاية التَّقوى.
قلتُ : قد تقدَّم لنا عكس هذا الترتيب، لأن الاستقامة أدقُّ وأصعبُ من التَّقوى، فهي النهاية، والله تعالى أعلم. وبداية الإيمان الإخلاصُ، وتمْكينُهُ : الصِّدْقُ. ونهايته الطُّمأنينة. بدايةُ الإحسان المُراقبة. وتمكينه : المثشاهدة. ونِهايتهُ : المَعْرِفة.
قلتُ : وما سلكَهُ الساحِلي رحمه الله من جَعل مقام المُراقبة، داخلاً في مقامِ الإحسان هو الموافق لتفسير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "أن تَعْبُدَ الله كأنَّكَ تراهُ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ ف‘نَّهُ يَراك"، على تفسير البعض، أي فإن لم تكن ممَّن يعبُدُ الله كأنَّهُ يراهُ، فكُن ممَّن يعبُدُ الله كأنَّ الله يَراهُ، وهي المراقبة.
وقال بعض أشياخنا : كُلُّ مَن يُكْشفُ عنه الحِجابُ، فهو من مقام الإيمانِ، ولا يترقَّى إلى مقام الإحسان حتَّ يُكشف عنه حِجابُ الوَهْم والحسِّ. فعلى هذا يكون بداية مقام الإحسانِ الاستشراف على الفناءِ، ووسطُهُ تحقيق الفَناءِ. ونهايتُهُ : الرُّجُوع إلى البقاء، وهي المعرفة الكاملَة، والله تعالى أعلم.