آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح -12

مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح -12

ويجمع على الذاكر قلبه المتفرق وشمل إرادته وعزمه المتمزّق ويفرق حزنه وذنبه، وجند الشيطان وحزبه ويقرب من قلبه الآخرة ويبعد عن قلبه الدنيا وإن كانت حاضرة، وينبه القلب الغافل بترك اللهو والباطل،ويستدرك ما فات ويستعد لما هو آت، وهو شجرة ثمرتها المعارف ورأس مال كل عارف ، والله مع الذاكر بالقرب والولاية والمحبة والتوفيق والحماية، ويعدل عتق الرقاب والجهاد ومشقّاته الصعاب، والقتل في سبيل الله والعطب وإنفاق الورق والذهب، وهو من الشكر رأسُه وأصله وأساسه، ومَن لم يزل لسانه رطبًا بذكره واتقى الله في نهيه وأمره أوجب له دخول جنة الأحباب والاقتراب من ربِّ الأرباب {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ويدخل الجنة وهو يضحك ويتبسم، ويتقلب فيها ويتنعم، ويذهب من القلب القساوة ويورثه اللين والطراوة، والغفلة للقلب داء ومرض، والذكر شفاء له من كل داء وعَرَض، كما قيل : 

إذا مَرِضنَا تَداوَيْنَا بذكركم       ونتركُ الذكرَ أحيانًا فننتكسُ

وهو أصل موالاة الله وأسُّها، والغفلة أصل معاداته ورأسُها، وإذا استولت الغفلة على العبد ردّته إلى معاداة الله أقبح ردٍّ، وهو رافع للنقم، ودافع وجالب للنعم وكل نافع، وموجب لصلاة الله عليه والملائكة الكرام، يُخرج من الظلمات إلى النور ويُدخل دار السلام، ومجالسُ الذكر رياض الجنان، والرتع فيها يرضي الرحمن، والله تعالى يُباهي بالذاكرين ملائكة السماء، فمنزلته من العبادات أرفع وأسمى، وأفضل العمَّال أكثرهم لله ذكرًا في سائر الأحوال، وهو ينوب عن سائر الأعمال، سواء كانت متعلقةً بمال أو بغير مال، ويقوي الجوارح ويسهل العمل الصالح، ويُيَسِّر الأمور الصعاب، ويفتح مغلق الأبواب ويخفف المشقة، وهو أمنٌ للخائف، ونجاة من المتآلف، والذاكر من العمال في ميدان السِّباق إلى حيازة قصد السَّبقِ سَبَّاق :

سوف ترى إذا انجلى الغُبار      أفرسًا ركبتَ أم حمار
وهو سببٌ لتصديق الرب لعبده، لأنه مخبر عن جلاله وجماله وحمده، ودُور الجنة بالذكر تُبنى، فالغافل لا يُبني له في الجنة مغنى، والأذكار سدٌّ بين العبد وبين النار، فإن كان الذكر مُستمرًّا دائمًا كان السدُّ جيِّدًا مُحكمًا وإلّا كان واهيًا مُنخرمًا، الذكر نار لا تُبقي ولا تَذر، فإذا دخل بيتًا لا يترك فيه عينًا ولا أثر، ويُذهبُ الأجزاء النابتة من الطعام الزائدة على الشبع أو الحرام، إذا لازم الذكر والحمد، البقاع والجبال تباهي بها بمن يذكرُ الله عليها من الرجال، وهو سِيمة المؤمن الشاكر، والمنافق قليلًا ما يوجد ذاكرًا، ومن ألهاه ماله وولده عن الذكر فهو خاسر.

وللذكر لذَّات أحلى من لذّات المطعومات والمشروبات، ووجه الذاكر وقلبه يكسى نضرةً وسرورًا، وفي الآخرة أشد بياضًا من القمر ونورًا، وتشهد له البقاع كما تشهد لكل عامل عصى أو أطاع، وهو يرفع العامل إلى أعلى المقامات،ويوصل إلى أعلى المقامات..

والذاكر حيٌّ حتى وإن مات، والغافل وإن كان حيًّا فهو من جملة الأموات ، ويورث الريَّ من العطش عند الموت، والأمن من المخاوف عند خوف الفوت.

والذاكر في الغافلين كبَيتٍ مُظلم فيه مصباح، والغافلون كلَيْلٍ مُظلم ليس له صباح، والذاكر إن شغله عن الذكر شاغل فقد تعرَّض للعقوبة وإن كان عن ذلك غافل، فمن جلس مع الملك بغير أدب أسلمه ذلك إلى العطب، والحضور في الذكر ساعة حميَّة عن تخليط المعاصى بالطاعة، والحمية وإن كانت قليلة فلها منفعة جليلة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية