وقول : «يا سيدي أحمد أو شيخ فلان» ليس من الإشراك، لأن القصد من التوسل الاستغاثة قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} وسُأل العلامة الشهاب الرملي عما يقع من العامة من قولهم عند الشدائد : «يا شيخ فلان ونحو ذلك»، فأجاب : «بأن الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين جائزة وللرسل والأنبياء والأولياء والصالحين إغاثة بعد موتهم؛ لأن معجزة الأنبياء وكرامة الأولياء لا تنقطع بموتهم». ولا يشك في مسلم أنه يعتقد في سيدي أحمد أو غيره من الأولياء أن له إيجادَ شيء من قضاء مصلحة أو غيرها إلا بإرادة الله وقدرته، والمسلم متى أمكن حمل كلامه على معنى صحيح سالم من التكفير وجب المصير إليه الأترك.
إنه صلى الله عليه وسلم كان يحمل الناس على أحسن الأحوال وأمر بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : (ولا تظننّ بكلمة برزت من امرئ مسلم سوءًا وأنت تجد لها في الخير محملاً) وقال لمن أقر عنده بالسرقة :(مَا إِخَالكَ سَرَقْتَ)، أي : ما أظنك سرقت، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وقال لمَاعز (1) لما أقر عنده بالزنا بالغامدية « لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ» رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم لمن قتل رجلاً قال "صبأت"، أي : "أسلمت"، وقال القاتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما قتلته لأنه إنما قال ذلك تقية من سيفي، فقال له صلى الله عليه وسلم : "أفلا شققتَ عن قلبه". فانظر كيف صلى الله عليه وسلم يحمل الناس على أحسن الأحوال، ولو صدر منهم ما ظاهره المخالفة، فإذا كان صلى الله عليه و سلم يحمل من أقر بالسرقة مثلا على قوله : "ما إخالك سرقتَ".
واتباع أخلاقه ومآثره صلى الله عليه وسلم مما يجب علينا، فأين اتباعك لمن لا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ، وكيف يجوز لمسلم أن يشبِّهَ الموحِّدين بالكافرين قال تعالى : {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.
والحاصل أن قوله لا يجوز التوسل بالأنبياء والأولياء فهذا كذب وافتراء، وقد نصَّ الأئمة على أنه يجوز التوسل بأهل الخير والصلاح، ولا يظن عامي من العوام فضلا عن الخواص، أن نحو سيدي عبد القادر يُحدِثُ شيئاً في الكون، وإنما يروا أن رتبتهم نقص عن السؤال من الله تعالى فيتوسلون بمن ذُكر تبرُّكاً بهم، كما لا يخفى ولا ينكر ذلك إلا من ابتلي بالحرمان وسوء العقيدة، نعوذ بالله منه ومن سيرته. فجميع ما قاله مردود عليه ووجب أن لا يعول عليه والله أعلم وأحكم.
أملاه الحقير إلى مولاه القدير، محمد بن محمد غفر لهما الملك الصمد، بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الشافعي مذهباً، القادري طريقة، سنة ألف ومائة وواحد عشر من الهجرة النبوية في محروسة حلب.