في معنى اسمه تعالى (المجيب)
المجيب اسم من أسمائه تعالى ، قال جل ذكره : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة:186] ومعنى المجيب فى وصفه أن يجيب دعوة الداعين ويكشف ضرورة المتوسلين ، قال الله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60] ، ومن خصائص لطفه أنه يعطى قبل السؤال ، ويحقق مراد عبده بعد سؤاله بجميل النوال ، وفى الخبر : «أن الله تعالى يستحى أن يرد يد عبده صفرا» وأنه سبحانه إذا أحضر لأوليائه حاجتهم ببالهم يحقق لهم مرادهم قبل أن يذكروا بألسنتهم ، وربما يضيق عليهم الحال حتى إذا يئسوا وظنوا أنه لا يجيبهم تداركهم بحسن إيجاده وجميل إمداده.
يحكى عن عطاء الأزرق أنه دفع إليه أهله درهمين وقالوا له : اشتر لنا دقيقا فرأى مملوكا يبكى فسأله عن حاله فقال : إن مولاى دفع إلى درهمين لأشترى له شيئا فسقطا منى ، فدفع إليه عطاء الدرهمين ومضى يصلى إلى قرب المساء ، ينتظر شيئا يفتح له فلم يفتح له بشيء ، فقعد على حانوت صديق له نشار وذكر له حاله ، وكان الرجل فقيرا فقال : خذ من هذه النشارة شيئا لعلكم تحتاجون إليها تسجرون بها التنور ، إذ ليس لى شيء أواسيك به ، فأخذ ذلك فى جرابه ورجع إلى بيته ، وفتح الباب وطرح الجراب فى الدار ومضى إلى المسجد ، حتى صلى العشاء الأخيرة ومضى صدر من الليل ، رجاء أن يكون أهله قد ناموا لئلا يخاصموه ، فلما دخل الدار رآهم يخبزون الخبز فقال : من أين لكم الدقيق؟ قالوا : من الّذي حملته فى الجراب ، ولا تشترى لنا الدقيق إلا من عند هذا الرجل.
فصل : وربما يجتهد الرجل فى تحصيل شيء لبعض الأولياء فلا يتفق ذلك ثم يكفي الله تعالى ذلك من وجه آخر ليعرف أنه تولى أمور أوليائه بنفسه ، ولا يكل ذلك إلى غيره ليعلم أنه لا يذل أولياءه.
حكي عن الخواص أنه قال : كنت فى مسجد فرأيت فقيرا ساكنا ثلاثة أيام لم يتحرك ، لم يطعم ولم يشرب ، وكنت أرقبه وأصبر معه ، قال : فعجبت منه فتقدمت إليه وقلت له : ما تشتهى؟ فقال : خبزا حارا ومصلية ، قال : فخرجت وتكلفت طول نهارى كى أحصّل ما قال فلم يتفق ، قال : فعدت إلى المسجد فأغلقت الباب ، فلما كان بعد زمان من الليل دق علينا الباب ، ففتحت الباب فإذا أنا بإنسان معه خبز حار ومصلية ، فسألته عن السبب فقال : اشتهاها عليّ صبيانى فتخاصمنا وحلفنا أن لا يأكل هذا إلا أهل المسجد الفلانى ، قال : فقلت : إلهى ، إذا كنت تريد أن تطعمه فلم عنيتنى طول نهارى.
فصل : وربما يحصل من بعض أوليائه قصد إليه وإشارته فى الظاهر إلى الخلق ويكون القصد بالتحقيق إلى الحق ، كما يحكى عن حذيفة المرعشى أنه قال : كنت مع إبراهيم بن أدهم فى بعض الأسفار فدخلنا الكوفة فآوينا إلى مسجد خراب فنظر إلى وقال : يا حذيفة ، إنى أرى بك الجوع ، فقلت : هو ما يراه الشيخ ، فقال عليّ بالدواة والقرطاس ، فجئته به فكتب : بسم الله الرّحمن الرّحيم أنت المقصود إليه بكل حال ، والمشار إليه بكل معنى :
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر أنا جائع أنا ظامئ أنا عارى
هى ستة وأنا الضمين لنصفها فكن الضمين لنصفها يا بارى
مدحى لغيرك لهب نار خضتها فأجر عبيدك من دخول النار
ثم دفع إلى الرقعة وقال : ادفعها إلى أول من تلقاه ، قال : فرأيت شابا حسن الوجه نظيف الثياب راكبا على بغلة ، قال : فناولته الرقعة فنظر فيها وبكى وقال : أين صاحب الرقعة؟ فقلت : فى المسجد الفلانى ، فناولنى صرة فيها ستمائة دينار وقال : احملها إليه ، قال : فسألت إنسانا : من صاحب هذه البغلة؟ قال : نصرانى ، قال : فعجبت منه ، وحملت الصرة إلى إبراهيم وأعلمته بالقصة ، فقال : ضعها فإنه يجيء الساعة ، فما لبثنا أن جاء الرجل وقبّل رأس الشيخ وقال : نِعْمَ ما أرشدتنى ، أعرض عليَّ الإسلام فأسلم ، فلما كانت إشارته صحيحة حصل منه ما حصل.
شرح أسماء الله الحسنى للقشيري