 |
| الشيخ المربي سيدي جمال الدين القادري بودشيش |
ما يجده السالك في صحبة الشيخ الكامل في لحظة واحدةٍ لا يجده في مطالعة ألف كتاب ولا في رياضات ألف سنة؛ لأن الشيخ الكامل يتصرّف في المريد ويوصلُهُ إلى مرتبة المشاهدة التي لا يُمكنُ الوصول إليها بوجه من الوجوه من غير الصُّحبة، ولا سيما في الطريقة القادريّة البودشيشية لأن نسبتها العليّة متلقاة بمجرَّد الصّحبة فسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقرَ في قلبه ما وقَر بصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلّم.
فلذلك كانت الصُّحبة في هذه الطريقة أفيد من جميع طُرُق الوُصُول قال الشيخ سيدي حمزة بن العباس قدس الله سره : (إذا أردت أن تسمو أخلاقك ، وتصفو أذواقك ، وتهيج أشواقك ، فعليك بذكر الله وصحبة الصالحين المحبين والتأدب معهم). وأما كيفية الاستفاضة بالصُّحبة فهي أنّ المريد عند سماع كلمات شيخه يستشفُّ من ورائها تجلِّيات الحق سبحانه وتعالى فتزول بها عنهُ الحُجُبُ المتباينة، والصِّفات المتالفة، وتحصُلُ بينه وبين الشيخ قربة روحيّة، ونسبة فطرية، ثم لا يزال المريد في صُحبة الشيخ حتى يفنى عن جميع صفاته وذاته، مستهلكاً في صفات الشيخ وذاته، فينطبع في قلب المريد ما كان في قلب الشيخ من صور التجليات والكمالات بطريق الانعكاس والانتقاش؛ لأن القلوب كالمرايا الحسية ينعكس في بعضها ما كان في البعض الآخر من الصُّور المعنويَّة إذا أخدت صقالتها.
ثم اعلم أنّ العارفين المسلِّكين قد أجمعوا على أن المريد الصادق إذا صاحب الشيخ الكامل بالانقياد والتسليم انصبَغ باطنه بأنوار باطن الشيخ في أوّل قَدَمٍ يضع فيها، ولا يعود إلى حالته الأولى، فمن دخل في صحبة شيخ ولم ينصَبِغ باطنه بأنواره، ولم يحصل فيه حال من أحواله، ولم تندفع عنه الخواطر الكونيّة والوساوس الشيطانية، فليعلم أنَّه ليس من أرباب الحال ولم يبلغ مبلغ الرجال.
فمن دخل في صحبة مشايخ الصوفية عليه أن يُراعي آداب صحبتهم، ويحفظ حرمتهم لأنهم جلساء الله وصحبتهم صحبة الله ، فمن تأدَّب معهم فاز بالفوز الجميل، ومن ترك الأدب معهم فقد ضلَّ سواءالسَّبيل، قال الإمام الجنيد رضي الله عنه : (مَن جالسَ هذهِ الطائفة ثم لم يتأدّب معهم سُلِبَ من نُور الإيمان وابتلاه الله بالمَقْت).