هواتف الحقائق
مناجاة الحق سبحانه وتعالى لعبده على لسان هواتف الحقائق في شأن التدبير والرزق.
أيها العبد : ألق سمعك وأنت شهيد، يأتيك مني المزيد، واصغ بسمعك فأنا لستُ عنك ببعيد.
أيها العبد : كنت بتدبيري لك قبل أن تكون لنفسك، فكن لنفسك بأن لا تكون لها، وتوليتَُ رعايتها قبل ظهورك وأنا الآن على الرعاية لها.
أيها العبد : أنا المنفرد بالخلق والتصوير، وانا المنفرد بالحكم والتدبير، فلا تشاركني في حكمتي وحكمي وتدبيري، أنا المدبر لملكي، وليس لي فيه ظهير، وانا المنفرد بحكمي فلا أحتاج الي وزير.
أيها العبد : من كان لك بتدبيره قبل الايجاد فلاتشاركه في المراد ومن عودك حسن النظر منه إليك فلاتقابله بالعناد.
أيها العبد : عوَّدتكَ حسن الظن مني لك فعودني إسقاط التدبير منك معي، أشاكٌّ بعد وجود البيان وضلالا بعد وضوح الهدى ؟ وقد سلَّمتَ لي قيامي بمملكتي، وأنت مملكتي فلا تنازع ربوبيتي ولا تضادد بتدبيركمع وجود إلوهيتي.
أيها العبد : متى أحوجتك إليك حتى تحتال عليَّ.
أيها العبد : متى وكلتُ شيئاًا من مملكتي لغيري حتى أكل ذلك إليك، متى خاب من كنت له مدبرا، ومتى خذل من كنت له ناصرًا.
أيها العبد : لتشغلك خدمتي عن طلب قسمتي ، وليمنعك حسن الظن بي عن اتهام ربوبيتي ، لا ينبغي أن يتهم محسن ، ولا أن ينازع مقتدر ، ولا أن يضاد قهار ، ولا أن يعترض على حكيم ، ولا أن يُعال هم مع لطيف . لقد فاز بالنجاح من خرج عن الإرادة معي، ولقد ذل من احتال عليَّ، ولقد استوجب النصر مني عبدًا إذا تحرَّك يتحرك بي، ولقد استمسك بأقوى الأسباب من استمسك بسببي.
أيها العبد : نريد منك أن تريدنا ولا تريد معنا، ونريد منك أن تختارنا ولا تختار معنا، ونرضى لك أن ترضانا، ولا ترضى سوانا، وكما سلمت لي تدبيري في أرضي وسمائي، وانفرادي فيهما بحكمي وقضائي، سلم وجودك لي فإنك لي، ولا تدبر معي فإنك معي، واتخذني وكيلًا، وثِقْ بي كفيلًا أعطِكَ عطاءً جزيلًا، وأهبك فخرًا جليلًا.
ويحك: أنا أجللنا قدرك. أن نشغلك بأمر نفسك، فلا تصغر قدرك يا من رفعناه، لا تذلن بحوالتك على غيري، يا من أعززناه. ويحك أنت عندنا أجل من أن نشغلك بغيرنا، لحضرتي خلقتك واليها خطبتك، وبجواذب عنايتي لها جذبتك فإن اشتغلت بنفسك حجبتك، وان اتبعت هواها طردتك، وإن خرجت عنها قربتك، وإن توددت لي بإعراضك عما سواي أجبتك.
أيها العبد : أما كفاك لو اكتفت، وهداك لو اهتديت أني أنا الذي خلقت فسويت، وتصدقت فأعطيت؟ أما يمنعك ذلك من منازعتي فيما قضيت، ومعارضتي فيما أتيت؟
أيها العبد : ما آمن بي من نازعني ولا وحدني من دبر معي.
أيها العبد : ما آمن بي من نازعني ولا وحدني من دبر معي، ولا رضي بي من شكا ما أنزلت به إلى غيري، ولا اختارني من اختار معي، ولاامتثل أمري من لم يستسلم لقهري، لو طلبت التدبير لنفسك لجهلت، فكيف إذا دبرت لها، ولو اخترت معي ما أنصفت فكيف إذا اخترت عليَّ.
أيها العبد : يكفيك من الجهل أن تسكن لما في يدك ولا تسكن لما في يدي وان اختار لك أن تختارني، فتختار عليَّ، يا مهمومًا بنفسه، لو ألقيتها إلينا لاسترحت.
ويحك أعباء التدبير ى تحملها إلا الربوبية، وليس يقوى عليها ضعيف البشرية.
ويحك: أنت محمولا فلا تكن حاملا، أردنا راحتك فلا تكن لنفسك متعبا.
أيها العبد : أمرتك بخدمتي، وضمنت لك بقسمتي فأهملت ما أمرت وشككت فيما ضمنت، ولم أكتف بقسمتي لك بالضمان حتى أقسمت ولم أكتف بالقسم، حتى مثلت فخاطبت عباد يفهمون فقلت: {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} وقد رزقت من غفل عني وعصاني فكيف لا أرزق من أطاعني ودعاني.
ويحك الغارس للشجرة ساقيها، والممد للخليقة هو باريها، مني كان الإيجاد وعلي دوام الإمداد، مني كان الخلق وعلي دوام الرزق.
أأدخلك داري، وأمنعك إبراري، أنبرزك لكوني وأمنعك وجود عوني، أأخرجك إلى وجودي وأمنعك جودي، لك هبات شتى، وفيك أظهرت رحمتي وما قنعت بالدنيا حتى ادخرت لك جنتي وما اكتفيت بذلك حتى أتحفتك برؤيتي فإذا كانت هذه أفعالي فكيف تشك في أفضالي، فاخترني لا تختر عليَّ ووجه قلبك بالصدق إليَّ. فإن فعلت أريتك غرائب لطفي وبدائع جودي، وأمتع سرك بشهودي.
لقد أظهرت الطريق لأهل التحقيق و بينت معالم الهدى لذوى التوفيق فبحقِّ سَلمَ إليَّ الموقنون و ببيان توكل عليَّ المؤمنون علموا أنى خيرٌ لهم من أنفسهم لأنفسهم و أن تدبيرى لهم أحرى من تدبيرهم لها، فأذعنوا لربوبيتى مستسلمين و طرحوا أنفسهم بين يديَّ مفوضين، فعوضتهم ذلك راحة فى نفوسهم و نورا فى عقولهم و معرفة فى قلوبهم و تحقيقا بقربى فى أسرارهم، هذا فى هذه الدار و لهم عندى إذا قدموا عليَّ أن أجِلَّ منصبهم و أعلى محلهم، و لهم إذا أدخلتهم دارى ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر .
أيها العبد : الوقت الذى أنت تستقبله لم أطالبك فيه بالخدمة فلا تطالبنى فيه بالقسمة، فاذا كلفتك تكفلت لك، و إذا أستخدمتك أطعمتك، واعلم بأني لا أنساك لو نسيتني، و أني ذكرتك من قبل أن تذكرنى، وإن رزقى عليك دائم و أن عصيتني، فإذا كنت لك كذلك فى أعراضك عني فكيف ترى أن أكون فى أقبالك عليّ، ما قدرتني حق قدري إن لم تستسلم لقهري، و لا رعيت حق بري، إن لم تمتثل أمري فلا تعرض عني، فانك لا تجد من تستبدله مني و لا تغتر بغيري فلا أحد يغنيك عني، أنا الخالق لك بقدرتي و أنا الباسط لك منتي فكما أنه لا خالق غيري فكذلك لا رازق غيرى، أأخلق و أحيل على غيري فأنا المتفضل و أمنع العباد وجود خيرى و أنا رب العباد و أخرج من مرادك إلى أبلغك عين المراد و أذكر سوابق لطفى و لا تنسى حق الواد.