آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التربية النبويّة / الدكتور حكيم الفضيل الإدريسي -3


حاجة الإنسان إلى تزكية النفس


إنَّ حاجة الإنسان إلى الماء والطعام والهواء ليحيلا الحياة الجسدية، توازي حاجته إلى طهارة النفس وتزكيتها لكي يحقق وجوده المعنوي والروحي، وهو الوجود الحق الذي يجزي عنه الحق عز وجل. والنفس عند أهل الاصطلاح هي ذلك "الجوهر اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية، الجامع لقوَّة الغضب والشهوة من الإنسان"1.

ولقد خصها الخالق المبدع المقدر بمراتب وتصاريف وصفات عدة ومتنوعة.

أما مراتبها فهي :

النفس اللوامة 
قال تعالى : { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}2.

النفس الأمارة 
قال تعالى :{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي}3.

النفس المطمئنة والراضية والمرضية 
قال تعالى : {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} 4.

وأمَّا صفاتها وتصاريفها فقد عبَّرَ عنها القرآن الكريم في الآيات التالية : فهي متلونة، قال تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}5.

وهي التي تشير على صاحبه بأعظم الكبائر كالقتل، قال تعالى : {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}6. وهي سبب كل سيئة يكسبها الإنسان، قال تعالى : {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} 7. وهي مصدر الوساوس، قال تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}8.

ولقد بيَّن الله تعالى أنَّ جهاد النفس هو السبيل المؤدِّي إلى الخير والحسنى، قال تعالى : {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}9.

وقال عز من قائل : {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}10. بل إن الحق تعالى أكد أنَّ التغيير الذي تأمله المجتمعات وتسعى إليه لا يتِمُّ إلاّ بإصلاح النفوس، قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}11.
وهذه النفس هي حجة الله تعالى على الخلق إذ أنها محل لاستقرار آيات الله، قال تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}12.

وهي معرفة الحقائق الكبرى، كمعرفة الله تعالى، قال عز وجل : {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}13.

وأثبتت السنة النبوية الشريفة هذا الأمر، فبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقتها - وهو المزكِّي والمُربِّي - وآفاتها، فقال في أحاديث نبوية معجزة ما أكده الحق تعالى : (الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ) 14.
(المُجاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفسَهُ)15.
وكان ﷺ يقول في خطبه : (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا)16.
وكان من دعائه ﷺ : (اللهم إني أعوذبك من نفس لا تشبع)17.

ولقد استلهم الصحابة هذا الدرس النبوي العظيم فقالوا : (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)18.، يقصدون بذلك جهاد النفس، لأنه غير محدود بزمان ومكان، وإنما ميدانه الحياة كلها من المهد إلى اللحد، ولقد ربط الله تعالى صفات النفس الذميمة بالإنسان الذي إذا لم يفهم مقاصد الخطاب الإلهي نزل إلى درك البهائم، وذلك إذا لم يخالف عوائده الذميمة ولم يجاهد نفسه.

هوامش

1 - التعريفات للشريف الجرجاني
2 -القيامة /1-2
3 - يوسف/53
4 - الفجر/27-30
5 - الشمس/7-8
6 - المائدة /30
7 - النساء/79
8 - ق/16
9 - النازعات /40-41
10 -الحشر/9
11 - الرعد/11
12 - فصلت/53
13 - الذاريات/21
14 - مسند الإمام أحمد، عن عمر بن الخطاب ج4. ص/24.
15 - المرجع نفسه. عن فضالة بن بن عبيد. ج6. ص/20
16 - مسند ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود. باب خطبة النكاح.
17 - صحيح مسلم
18 - إتحاف السادة المتقين للزبيدي.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية