فــصـــل
كل سلطان لولايته أمد معدودة، وحدٌّ محدود؛ إلا سلطان " لا إله إلا الله " ، فإن ولايته ثابتة أبد الآباد وباقية مدى غاية السّرمد ، شملت الأولين و الآخرين، طائعين وكارهين، وعمَّت أهل السموات و الأرضي ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) و لكن أتى عبدٌ طوعاً وشوقاً ومحبة وعبدٌ أتى كرهاً وقهراً وقسرًا ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ) ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) فعالم الفضل قالوا "بلى" طوعاً، وعالم العدل قالوا "بلى" كرهاً ، أخرجهم من ظهر آدم على هيئة الذُّر ثم فرقهم فرقتين وجعلهم عالمين ، فعالم الفضل عن يمينه و عالم العدل عن شماله ، ثم خلق لهم آلة الفهم والسّمع والنّطق ثم خاطبهم و أشهدهُم على أنفسهم، الآية ، فأقر الكلّ بالوحدانية وأذعنوا للفردانية فقالوا " بلى " ، فعالم الفضل قالوا : "بلى" طائعين مسارعين، وعالم العدل قالوا : "بلى "كارهين متثاقـلين ، ثم أُخِذَت شهادة كل واحدٍ منهم في يوم الميثاق بما شهد على نفسه أن لا يقولوا يوم القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْها غَافِلِين، فلما خرجوا من عالم القدرة إلى عالم الحكمة ظهر من كل واحد منهم ما كان يضمره لله تعالى من توحيد وجحود ، فعالم الفضل قالوا : "بلى" مع اعتقاد الصدق فأَوفَوا بعهده وحافظوا على ميثاقه ، وعالم العدل قالوا : "بلى "مع اعتقاد الجحود فخانوا العهد وضيَّعوا الميثاق فبرز نعت القدم لعالم الفضل بالمدح لهم والثناء عليهم فقال الله تعالى : ( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) وبرز لعالم العدل بالقدح فهم والازدراء عليهم فقال :( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) ثم عرصات الهمة أذ البسط القعيد يطهر سلطان " بلى " على كلا العالمين فيشهد لعالم الفضل بالأمانة، ويشهد لعالم العدل بالخيانة، ثم ينشر لكلّ واحد كتابُ إقراره شهادته على نفسه ( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) .