آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الخطاب الرّوحي في الأدب الصوفي -8

بدأت كتابة التصوف كخطاب روحي ديني مستقلا عن كتب الفقه والحديث والتفسير من خلال كتب ورسائل تتعلق بتزكية النفس وترويضها على الطاعة. عرف هذا النوع من الكتب باسم كتب الزهد والرقائق، الآداب والأذكار، وهذا النوع من الكتابات هو محمود بين أهل السنة والجماعة لاعتماده على القرآن والسنة. ومن بين هذه الكتب يجدر بنا ذكر العناوين الآتية: الأدب الصغير والأدب الكبير لابن المقفع، وكتاب الزهد لوكيع (ت 196)، وكتاب آداب النفوس للمحاسبي، روضة العقلء ونزهة الفضلء لابن حبان البستي (ت 612)، والرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري (ت221)، والإحياء للغزالي (ت 111)، وصيد الخاطر لابن الجوزي (ت 795)، وبستان العارفي للنووي (ت 262)، لطائف المعارف لابن رجب (ت 691)، ونزهة المجالس ومنتخب النفائس للصفوري (ت 992)إلخ...

في مقابل ذلك ظهر لون آخر من الكتابات في فنّ التصوف، وقد امتاز هذا اللون بالجانب النظري، اعتمد فيه مؤلفوه على المنهج الفلسفي الذي يرمي إلى التفكر في العمق والبحث عن كنه الحقائق الغيبة. ولعل أكبر متصدر لهذا الاتجاه هو محي الدين بن عربي الذي كان ولا يزال محط اهتمام مريديه وناقديه. فنجد على سبيل المثال عبد القادر بن حبيب الله السندي يؤلف كتابا بعنوان "التصوف في ميزان البحث والتحقيق والرد على ابن عربي الصوفي في ضوء الكتاب والسنة"، ولا يخفى على القارئ أن عنوان الكتاب يكشف عن موقف مؤلفه اتجاه ابن عربي.

لعل أهم نقطة تندرج تحت محور الإنسان، والتي حفزت السالكين وحيرت الدارسين هي نقطة ارتقاء الإنسان إلى رتبة الولاية، فقد وجد المتصوفة في قوله تعالى﴿: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾  وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب...» دافعا للاجتهاد ونيل مرتبة الفضل لحيازة الولاية، وانتهى بهم المطاف إلى أن جعلوا للولاية مراتب نذكرها على سلم تنازلي كمرتبة القطب الغوث التي اشتهر بها عبد القادر الجيلاني، وأبو مدين، إلخ، ومرتبة الأربعة الأوتاد الحافظون لجهات الأرض، ثم السبعة النجباء والحافظون للأقاليم السبعة، والأربعون الأبدال الساعون في قضاء حوائج المسلمين، وهم في الشام. وقد ورد فيهم أحاديث مختلف في صحتها منها قول النبي محمد –صلى الله عليه وسلهم- : «الأبدال بالشام وهم أربعون رجلًا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يُسقى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب».

لما كان هذا المقام هاجسا للمريدين، وغايةً للسالكين فلا نكاد نجد في كتابات المتأخرين في فن التصوف كتابا يخلو من ذكر كرامات الأولياء التي هي أمر خارق للعادة، يكرم به الله أولياءه  للتدليل على حسن سيرتهم واستحقاقهم من الله فضل الكرامة. ولقد استدل المؤلفون على صحة وجودها بآيات من القرآن كسرد قصة الذي عنده علم من الكتاب في الآية القرآنية: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ...وقصة مريم بنت عمران حين قال لها النبي زكرياء: ﴿أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّه...﴾ ومن أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلهم:«أن رجلين خرجا من عند النبي في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق  النور معهما»، ومن قصص وقعت للصحابة: قصة الصحابي عمر بن الخطاب: عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشا وولى عليهم رجل يدعى سارية، فبينما عمر في المدينة يخطب على المنبر جعل ينادي: يا سارية الجبل!! ثلاثا. ثمّ قدم رسول الجيش فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوتا ينادي يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر إنك كنت تصيح هكذا وهكذا.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية