ولما وُضِعَتِ النفس في كفة البيع والشراء وجرى عليها التسليم والتسلم فسلمها الحق سبحانه وتعالى إلى الملك و ألهمها قبول ما يلقى إليها من الخير ، والملك أبداً يدعوها إليه و يرغبها فيه و يحذرها من الشر و يرغبها عنه إلى أن تأنس به وتسكن إليه وتنقاد له ، فإذا سكنت إليه و انقادت له سلب عنها كل صفة مذمومة و يودع فيها كل صفة محمودة ، فتخرج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمة كل صفة مذمومة إلى صفة محمودة ، فإذا خرجت عن ظلمة أوصافها و رجعت عن معاندتها وخلافها و انقادت للأمر و رضيت به وسَكَنت له واطمأنت إليه حينئذ يدخلها في زمرة عباده فقال، تعالى : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) و أما عالم العدل فنافقوا في عالم القدرة وجحدوا في عالم الحكمة فلم يصلح أن تكون أنفسهم محلاً لشرائه فأبعدهم عن حفظه ووكلائه فسلمها إلى الشيطان وألهمها قبول ما يلقى إليها من الشر أبداً يأمرها بالفواحش و يغريها بالخبائث و يدعوها إلى ما عجن في طينتها وجبل في أصل خلقتها من الانغماس في الشهوات و التهافت على المعاصي و المخالفات حتى تصير شيطاناً مارداً لما يأمرها به مساعداً فتصير ناهية عن الخير أمارة بالسوء لِأنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ وهى من أقوى أعوانه و أوفى أقرانه ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) .
آخر الأخبار
جاري التحميل ...