آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أعلام التصوف : ابن العريف

أعلام التصوف : ابن العريف


حياة ابن العريف:

ابْنُ العَرِيْفِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ عَطَاءِ اللهِ الصِّنْهَاجِيُّ، كنيته أبو العباس يلقـب بـابن العريف.
ينحدر كما هو واضح من نسبه من قبيلة صنهاجة وبالضبط من مدينة طنجة الموطن الأصلي لوالده، الذي انتقل منها إلى الأندلس، واستوطن مدينة المرية التي كانت فـي ذل الوقت تحت حكم أسرة بني صمادح حيث انخرط في سلك شرطتهاعلى عهد أميرهـا المعتصم باالله (484-443هـ/1091-1051م)، وهناك بالمرية ولد ابن العريف في حـدود سنة (481هـ-1088م) ،بينما يذكر الذهبي أنه ولد في سنة(485هـ).

ولد في أواخر النصف الثاني من القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي في مرحلة انتقالية عرفتها الأندلس، تميزت بانتقال سدة الحكم إلـى المرابطين، الذين دعموا وجودهم بالمنطقة خاصـة بعـد الانتصـارات الساحقة التي حققوها ضد الممالك النصرانية في الشمال، كموقعة الزلاقة وغيرها، ثم مـا كان من توحيدهم للأندلس بعد القضاء على ممالك الطوائف ومن بينها حكم بنـي صـمادح، وهذا ما سيكون له أثره السيء في تنشئة ابن العريف.

إذ يبدو أن والده قد أصابته فاقة بعد انهيار ملك أصحاب نعمته، اضطرته إلى إرسال ولده إلى حائك ليتعلم الحياكة،على الرغم من معارضة هذا الأخير، الذي أظهر ميلا شديدا إلى طلب العلم، لهذا لجأ إلى الهرب للتخلص من قيود والده، قاصدا مجالس العلم المنتشـرة بالمرية، يستمع إلى القرآن والحديث واللغة، ويقرأ الكتب المختلفة التي ألفت فيها، وفي هـذايقول ابن الآبار: "نشأ ابنه هذا وقد مسته الحاجة فدفعه في صغره إلى حائك يعلمه وأبا هـو إلا تعلم القرآن وتعلق الكتب، فكان ينهاه ويخوفه، ودار له معه ما كان يتلفه إلى أن تركه...". 

ما يفهم من هذا النص أن الوالد وأمام تعنت الابن وإصراره تركه لشأنه وهنا وجد ابن العريف أن الفرصة المواتية للتحصيل والتدريس قد أتته بعيدا عن أي ضغوطات، بعـد ذلك كرس جهده وفكره في طلب العلم، إذ تنقل في حواضر الأندلس المختلفة ينهل من علـم شيوخها.

كما كال يستغل فرصة مرور العباد والعلماء بمدينته على اعتبار أنهـا نقطـة العبور لباقي أنحاء الأندلس للاستزادة من علمهم.

ويترأس قائمة شيوخه علمين أندلسيين هما أبو الحسن علي بن محمد البرجي المتوفي سنة 506هـ/1112م. والمحدث أبو علي الصدفي، إضافة إلى أسماء أخرى أندلسية كأبي معتصم خالد يزيد مولى المعتصم ... إلخ ،فأخذ عن هؤلاء القرآن الكريم وتعلم القـراءات وسـماع الحديث وجمع الروايات واللغة، إلا أن الشيء الملاحظ عليه هنا أنه لم يغادر الأندلس كما فعل بعض أقرانه على الرغم أن الرحلة إلى المشرق في ذلك الوقت للسماع ولقاء الشـيوخ كانت تقليدا درج عليها من سبقه وحتي معاصروه.

بعد أن نال مختلف المعارف وأحس أنه وصل إلى مرحلة العطـاء، دخـل مرحلته العملية حيث أقرأ بسرقسطة ثم بالمرية، كما ولي الحسبة ببلنسية. أي أن نشاطه العملي لم يقتصر على مدينة المرية بل تعداها إلى غيرها من المدن. وتجدر الإشارة هنـا أن ابـن العريف إضافة إلى معارفه السابقة كان شاعرا، فنظم وأجاد خاصة في الشعر الروحـي، فجاء نسيج عصره من المعارف المختلفة.
إضافة إلى ذلك غلب عليه الزهد والورع، فقد اعتبره ابن صعد أحد الرجال الأولياء الأفراد المتسمين من سمات العلم والعمل باعلى درجات الزهاد، فاجتمعت له بـذلك كـل المؤهلات التي جعلته قبلة للطلبة والمريدين الذين التفوا حوله ينهلون العلم، كما قصده العباد والزهاد وكان العباد وأهل الزهد يألفونه ويحمدون صحبته.

أمام هذه الحشود الكبيرة من الأتباع والطلبة علا اسم ابن العريف في سماء الأنـدلس الشيء الذي لم يسر بعض الفقهاء، التي كانت ترى فيه منافسا خطيرا لها، إذ كان على رأس معارضيه قاضي المرية ابن الأسود. الذي يبدو أنه أوغر صدر الأمير على بـن يوسـف (500هـ-537هـ/1106م-1142م) ضده مما اضطر هذا الأخير إلى الأمر بالقبض على ابن العريف وإرساله إلى مراكش مع بعض أتباعه. وهناك بمـراكش تراجـع الأميـر المرابطي عن قراره حينما رآى عظم مقام بن العريف فأطلق سراحه. 
قال ابن مسدي : ابن العريف ممن ضرب عليه الكمال رواق التعريف ، فأشرقت بأضرابه البلاد ، وشرقت به جماعة الحساد ، حتى لسعوا به إلى سلطان عصره ، وخوفوه من عاقبة أمره ، لاشتمال القلوب عليه ، وانضواء الغرباء إليه ، فغرب إلى مراكش ، فيقال : إنه سم : وتوفي شهيدا ، وكان لما احتمل إلى مراكش ، استوحش ، فغرق في البحر جميع مؤلفاته ، فلم يبق منها إلا ما كتب منها عنه . روى عنه أبو بكر بن الرزق الحافظ ، وأبو محمد بن ذي النون ، وأبو العباس الأندرشي ولبس منه الخرقة ، وصحب جدي الزاهد موسى بن مسدي ، ولعله آخر من بقي من أصحابه .

مؤلفات ابن عريف :

- مطالع الأنوار ومنابع الأسرار 
- مفتاح السعادة لأهل الإرادة في الطهـور
- والكسوة للحضرة الرفيعة
- مفتاح السعادة وتحقيق طريق السعادة.

ومن المحتمل أن تكون لابن العريف تآليف أخرى لكنها فقدت عندما ألقي بكتبه فـي البحر عقب ترحيله إلى المغرب.

تصوف ابن العريف:

لا تتطرق المصادر إلى الحديث عن تصوف ابـن العريـف إلا بعـض الشـذرات المقتضبة والتي تشير إلى شيوخه الذين أخذ عنهم، فالذهبي مثلا في سيره يذكر أنه اختص بصحبة أبي بكر عبد الباقي بن محمد بن بريال - والصحبة في الاصـطلاح الصـوفي لهـا مدلولها - حيث لبس الخرقة على يديه عن أبي عمر الطلمنكي عن أبي جعفر أحمـد بـن عون االله القرطبي. ومن الملاحظ أن ابن العريف قد سلك هذا الطريق في مرحلة الشـباب وذلك على ما يبدو راجع إلى تأثره بالجو السائد آنذاك في المرية، والتي كانت مركزا مهمـا للدراسات الصوفية، إذ يمتد سنده الصوفي في سلسلة طويلة حتى يصل إلى الحسن البصري. 

لقد كانت لابن العريف طريقته المميزة في التصوف، أساسها الالتزام بمذهب أهل السنة والجماعة، وهذا راجع لتأثره بشيوخه الذين أخذ عنهم، والذين تميزوا بورعهم وزهـدهم واعتدالهم، فجاء ابن العريف أنموذجا للصوفي الأندلسي المالكي المذهب، الورع،الزاهد.
وتتلخص حقيقة مذهبه الصوفي في الزهد في كل شيء  بما في ذلك الزهد في منازل الصوفية والعطايا والمواهب الإلهية والكرامات، وما إليها من المنن التـي يهبهـا االله للنفس الإنسانية.

والشيء الملاحظ على تصوفه أنه كان ينحو منحى باطني وذلك راجع إلـى تـأثره بالثقافة الفلسفية الإشراقية التي كانت رائجة في بيئته لا سيما ما يتعلق منها بفلسفة ابن مسرة وتلميذه الرعيني  الصوفي بالنسبة له الفناء في االله، فالعارف يفنى عن نفسه ليبقى بربه.

ومجمل القول أن ابن العريف كان معتدل في أفكاره وتصوفه، إذ ضمن كتابه "محاسن المجالس" مذهبه الصوفي وحاول تحليل بعض المقامات والأحوال الصوفية.

توفي أبو العباس بن العريف بمراكش ليلة الجمعة الثالث والعشرين من رمضان سنة ست وثلاثين وخمس مائة .
واحتفل الناس بجنازته ، وندم السلطان على ما كان منه في جانبه ، فظهرت له كرامات رحمه الله .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية