وأما مستند الطائفة في أكل السموم، فهو أن الشيخ رضي الله عنه كان يجمع الناس لذكر الله ويؤاجرهم عليه، حتى اجتمع لديه خلق كثير، واحتاج الناس لمن يخدمهم بأجرة، فاشتكوا إلى أمير الوقت بالشيخ رضي الله عنه، فأرسل إليه ينهاه على ذلك فلم يجبه الشيخ رضي الله عنه وقال للرسول : "إن لم ترجع إلى الأمير فعلت بك هكذا" وأشار بيده إلى الأرض فهوت من جميع جهاتها وبقي الرسول على فرسهواقفًا والبحر محيط به من جميع الجهات، فلما رأى ذلك وأيقن بالهلاك تاب إلى الله تعالى واستعطف الشيخ رضي الله عنه وأخد بيده وعادت الأرض كما كانت.
ولما أخبر الأمير بذلك جاء للشيخ رضي الله عنه تائبًا متأدباً وقال : "يا سيدي أريد منك الذهاب معي بقصد البركة منك، فقال له الشيخ : وعلى بركة الله" ثم قام الشيخ رضي الله عنه ومعه الفقراء إلى أن وصلوا دار الأمير، فلما دخلوها قدَّمَ إليهم طعامًا مسمومًا يقطع في العادة بموت أكله، ولما وضع الطعام بين يدي الشيخ رضي الله عنه خرجت منه أفعى وتمرَّغَت بين يديه وقبَّلت قدميه فأخدها الشيخ رضي الله عنه وأجلسها في حجره الشريف، فلما رأى الأمير ذلك تاب إلى الله تعالى واعتقد في الشيخ رضي الله عنه اعتقاد أجميلة.
وأتلى الفقراء في عيد الأضحى، فلما صلى صلاة العيد أدخلهم في بيت وقال لهم : "لا بد أن أضحي بأحدكم فإني لم أجد ما أضحي به في هذا العيد، فقالوا : نعم يا سيدي، ثم نادى واحدا منه باسمه : يا فلان وأخرجه من بينهم كأنه يريد ذبحه ثم أخد شاة وذبحها وأتى إليهم والسكين بيده ملطَّخة بالدم، ونادى منهم أخرون وفعل معهم مثل ذلك، فخاف بعضهم على نفسه من الذبح وفرَّ هارِبًا وضلوا يومهم بالجوع، ثم جاءوا إلى الشيخ رضي الله عنه عشية النهار تائبين وطلبوا منه طعامًا يأكلونه فأمرهم بأكل السم وأكلوه ومن ذلك الوقت وهم يأكلونه إلى الآن.
من هامش نسخة عتيقة من المختصر للغزالي وفي الصحيح عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال : (لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ فتناول صلى الله عليه وسلم الكتف ونهش منها فلما ازدرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال : "إنَّ الشاة تُخبرني أنها مسمومة، ثم سأل اليهود : هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا ؟ . قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالُوا : أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ ). فدلَّ الحديث الصحيح هذا دلالة واضحة على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يضرُّه السمّ معجزة، وكل ما جاز أن يكون معجزة لنبي يجوز أن تكون كرامة للولي، ذلك من المعجزة والكرامة أمر خارق للعاداة. إذ الكل من المعجزة والكرامة أمر خارق للعادة.