إبراهيم بن أحمد بن علي بن أسلم
القيرواني أبو إسحاق الجبنياني
قال عياض : «كان أبو إسحاق أحد أئمَّة المسلمين، وأبدال أولياء الله الصالحين»، ولسَلَفِهِ بالقيروان الخطط الرفيعة، والمناصب النبيهة، والأموال العديدة، ولهم مسجد يُعرفُ بمسجد بني أسلم، وكان أبوه أحمد قد أخد له مُعلِّمَين، أحدهما للقرآن والآخر للعربية، فكان يقرأ عليهما في رفاهية من العيش، ويذهب إلى الولي ابن عاصم بجبنيانة فكان يقيم عنده ويتبرك به ويتعلم منه، وكان ابن عاصم هذا مشهوداً بالعبادة وإجابة الدعاء، وكانوا يتبركون بدعائه قد نفع الله به خلقاً كثيراً، إلى أن بلغ أبو إسحاق الحُلُم فدخل قلبه من الخير ممَّا سمع من ابن عاصم ما أزعجه عمَّا كان فيه، فانخلع من الدنيا ولبسَ عباءة وهرب فطُلِب فلم يوجد، فكان يستأجر فيما يتقوة به، وَوُفِّق مع هذه لطلب العلم، فأخد عن ابن اللبَّاد وغيره من الأعلام، وكتب بيده الكثير واجتهد في العبادة والزهد ومتابعة السلف الصالح، فكان أبوالحسن الفاسي يقول : «الجبنياني إمام ويقتدى به» وكان أبو محمد بن أبي زيد يعظم من شأنه ويقول : «طريق أبا إسحاق خالية لا يسلكها أحدٌ في هذا الوقت»، وكان يقول : «الجبنياني أُوَيْس هذه الأمة». قال عياض : «وكان أبو إسحاق كثير الصمت قليل الكلام فإذا نطق نطق بالحكمة». ومن كلامه : «خمسة تعاونوا على هلاك ابن آدم المسكين مومن يحسده، وكافر يصدُّه، وشيطان مارد، ودنيا حاضرة، ونفسٌ أمَّارة بالسوء فكيف بالخلاص».
توفي يوم الأحد السَّابع من المحرم سنة وستين وثلاثمائة. ودُفنَ يوم الاثنين بعده بشرقي جبيانة وسنُّه تسعون سنة واجتمع بجنازته خلقٌ كثير خرجوا به غدوة الاثنين فما وصلوا لمحل دفنه إلّا بعد الزوال، وما وُجد لهُ من الدنيا قليل ولا كثير سوى شيء من شعير في قُلَّة مكسورة. رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا به وبأمثاله.