ثم قال رضي الله عنه :
لَوْ حَدَثَتْ بِنَفْسِهَا الأَكْوَانُ لاَجْتَمَعَ التَّسَاوِي وَالرُّجْحَانُ
قد تقدم الكلام على هذا البيت والمراد منه أن الحوادث لا يكون لها وجود حتى تظهر بنفسها، وأين كانت قبل حدوثها لا مقام لها في حضرة القدم، بل لا اسم لها ولا رسم ولا ذكر ولا خبر ولا وجود لها ولا أثر، فكيف يثبت العدم مع محض القدم لقول ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه : كيف يظهر الوجود في العدم أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم ؟ قلت : ما ظهرت بنفسها ولا بطبعها وإنما ظهرت بظهور الذي أظهرها وأظهر عليها {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لا لعلة أوجدها ولا لغرض.
ثم قال رضي الله عنه :
وَذَا مُحَالٌ وَحُدُوثُ الْعَالَمِ مِنْ حَدَثِ الأَعْرَاضِ مَعْ تَلاَزُمِ
لما ذكر أنَّ حدوث العالم هو الدليل على وجود الإله وهو القاطع عن الوصول إليه خشي أن يتوهم السامع أن العالم لا أولية له، لذلك أخد يبرهن على حدوثه فقال وحدوث العالم، أي من أعلاه إلى أسفله من جواهره وأعراضه، فكل ما سوى الله حادث أي متجدد ومتلون على خلاف الأصل لأن القدم منزه عما في العالم، وذلك يدرك عند العارفين من طريق الكشف إذ لا يحتاجون فيه للدليل، وذلك لما أطلعهم الله على حضرة القدم وشاهدوا عالم الصفاء لم يجدوا هناك ما ينفي وجود الحدوث لأن الحدوث متغير والأصل صفاء لا كدر فيه، كما قال ابن الفارض رضي الله عنه :
صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى ونور ولا نار وروح ولا جسم
وكل ما سوى القدم فهو حادث، ولا ينكر الحدوث إلا جهول أو مغلوب على أمره، وإلا فالحدوث ظاهر عند أرباب البصائر كظهور الأمواج على البحر كما قيل :
البحرُ بحر كما قد كان في القدم إن الحوادث أمواجٌ وأنهارُ