وسُئل عن الفرق بين التعزز والتكبر فقال رضي الله عنه : التعزز ما كان لله ويُفيد ذُل النفس وارتفاع الهمَّة إلى الله عز وجل، والتكبر ما كان للنفس وفي الهوى ويفيد هيجان الطبع، وقهره الإرادة عن الله عز وجل، والكبر الطبيعي أسهل من الكبر المكتسب.
وسُئل عن الشكر فقال : حقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع، ومشاهدة المنة، وحفظ الحُرمة على وجه معرفة العجز عن الشكر، وينقسم أقسامًا : شكرًا باللسان، وهو الاعتراف بالنعمة بنعت الاستكانة، وشكرًا بالأركان وهو الاتصاف بالخدمة والوقار، وشكرًا بالقلب وهو الاعتكاف على بساط الشهود بإدامة حفظ الحُرمة ثم الترقي بعد حضور هذه المشاهدة إلى الغيبة في رؤية المنعم عن رؤية النعمة، والشاكر الذي يشكر على الموجود، والشكور الذي يشكر المفقود، الحامد الذي يشهد المنع عطاء والضر نفعاً، ثم يستوي عنده الوصفان، والحمد الذي يستفيد المحامد بعين المعرفة على بساط القرب.
وسُئل عن المحبة فقال : لما قدم ذكرنا على ذكره في قوله عز وجل (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) وقدم محبته على محبتنا في قوله (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)فقال : الذكر مقام طلب وقصد والطلب مقدمة العطاءفلهذا قدم ذكرنا له، وأما المحبة فهي : تحفة إلهية من محض القدر ليس للعبد فيها كسب ، ولا يصح وجودها في العبد إلا بعد بروزها من جناب الغيب على يد المشيئة، والعبد هنا ساقط الكسب، ممحو السبب، فلهذا قدم محبته لنا.
فقيل له : قدم توبته علينا على توبتنا له في قوله عز وجل : (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) وهو أيضاً كسب كالذكر فقال : لأن التوبة أول مقامات الطلب ومبدأ منازل السير فقدم فعله فيها على ما فعلنا فإنه لا يفتحه أحد غيره ولا يقدر أحد أن يسلكه إلا بتسهيله إذ هو عز وجل المنفرد بإيقاظ الغافلين، وتنبيه الراقدين، ورد الشاردين إلى طرائق القاصدين وانزعاج القلوب إلى ذكر المحبوب.