ومنها : أن يسلم لشيخه في كلما يقوله له ولا يجوز له أن يعترض علي شيخه فيما يكون منه قطعًا ولو بالقلب؛ فإن الشيخ ربما أرى المريد شيئًا لا حقيقة له مكرًا به لسوء أدب وقع منه، وقد وقع لسيدي يوسف العجمي رضي الله عنه أنه امتحن مريدًا تفرَّس فيه الخير فلم ينفر عنه، وكان الفقراء عندهم منه غيرة شديدة لما يرون من تقريب الشيخ له فأراد الشيخ أن يعلمهم بمرتبته وأنه يستحق ذلك دونهم، فأمره بأن يذهب إلى المكان الفلاني فيأتي بالمرأة التي فيه ويأتي بجرة خمر، فذهب ذلك المريد إلى ذلك المكان فوجد المرأة والجرة فأتى بها فدخل الشيخ بالمرأة إلى البيت وغلق الباب ساعة فتغير الفقراء كلهم إلّا ذلك الشاب، وكانت المرأة ابنة الشيخ والجرَّة خلاًّ، فقال : لِمَ لا نفرتَ منِّي بما وقع ؟ فقال : يا سيدي أنا ما صحبتك على أنك معصوم من الوقوع في أقدار الله عز وجل، وإنما صَحبتُكَ على أنك أعرف مني بطريق الله عز وجل. فقال : بارك الله تعالى فيك.
واعلم أن بعض الفقراء يعطيهم الله تعالى قلب الأعيان فيأخد الكأس من الخمر فلا يصل إلى فمه إلّا عسلا أو ماءً وسكراً، فيظن مَن لا علم له بذلك أن الشيخ شرب خمراً استصحابًا لحالة الخمر وهو في إنائه قبل أن يأخده الشيخ وهو معذور فيما ظن، ولكن التسليم لمثل هؤلاء أسلم. ومن علامة ذلك عدم السكر وغيبة العقل خلاف ما يقع للشاربين من الفسقة، فإن ادّعى الفقير أنه ممن يقلب الأعيان ثم حصل له غيبة العقل فهو كاذب يقام عليه الحدّ، فاعلم ذلك ولا تجتمع إن أردت السلامة إلا على أهل العلم المتقيدين بظاهر الكتاب والسنة، فإنه هو الشرع المعصوم والله يتولى هُداك.
ومنها : أنه لا ينبغي له أن يتأوّل كلام شيخه في أمره ونهيه وحكاية مواجيده، بل يحمل كلامه على ظاهره، ويسعى فيما ندبه إليه وإن كان ظاهره مخالفا للنقل، فإن الشيخ أعلم بأمور السنة منه، ومأخود عليه العهد بالنّصح لكل مسلم، وبتقدير أنه غلط فإنه يبادر للمريد في اشتغال أمره أكثر مما يفعله المريد بهوى نفسه، وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام كفاية لكل معتبر، فإن آخر أمرهما أنْ قال له الخضر هذا فراق بيني وبينك، فكان موسى في مقام التعليم والخضر كان في علوم الباطن أعلم منه بشهادة الله عزّ وجل وتزكيته.
وكان شيخنا رضي الله عنه يقول : ما أتى على أكثر من المريدين الخمول وعدم الفلاح إلا من التأويل، وعدم امتثال ما يأمرهم به الشيخ، وفعل ما تهواه نفوسهم من العبادات، وحكم من فعل هذا كأنه لا شيخ له، ومن لا سيخ له لا ترقي له.
واعلم أنّ غالب مريدي هذا الزمان لم يصر عندهم الآن همّة، إنما شأنهم التزويق في أحوالهم والتلفيق، مع ضعف الداعية إلى الطريق، فحكمهم حكم من ربط في عنقه ألف صخرةٍ مثقوبة بحبال وثيقة، وداعيته كحبل العنكبوت شيخه يسحبُ به إلى قدام، ومُرادنا بالصخرات الأهوية التي يهواها المريد، فكل هوى صخرة تثقله عن النهوض إلى قدام ، فعدد الصخرات على عدد الأهوية والسلام.
وكان سيدي أبو السعود بن أبي العشائر يقول : ليس المريد الصادق من يتشرف بشيخه، إنما المريد من يتشرف به شيخه، وذلك لشدة نهضته وعظم مروؤته فاعلم ذلك.