الباب الأول
في كيفية العهد والتلقين
ووصية الشيخ للمريد بعد العهد
اعلم أن العهد لغة : التزام شيء ليوفى به في المستقبل، حقًّا كان أم باطلًا، ومنه تعاهدت بنو فلان على كذا وكذا، وشرعاً : قربة دينية، كالتزام الأنصار أنهم يحمون النبي صلى الله عليه وسلم مما يحمون منه نساءهم وأولادهم، والأصل فيه قوله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}[1] الآية، وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم.
وشروطه : كمال الشيخ وانقياد المريد، ووجود التسليك، والأصل في التلقين ما رواه الطبراني والبزار وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقَّنَ أصحابه كلمة : "لا إله إلا الله"، جماعة وفرادى، بعد أن سبق تكرارها منهم مذ أسلموا إلى ذلك الوقت، فأما تلقينه لأصحابه صلى الله عليه وسلم جماعة فقد قال شداد بن أوس رضي الله عنه : (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هل فيكم غريب ؟" يعني أهل الكتاب، فقلنا: لا يا رسول الله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلق الباب، وقال: "ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله" فرفعنا أيدينا وقلنا "لا إله إلا الله"،، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أبشروا فإن الله قد غفر لكم")[2].
وأما تلقينه صلى الله عليه وسلم فرادى فقد قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى أَقْرَبِ الطُّرُقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْهَلِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَأَفْضَلِهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَلِيُّ ، عَلَيْكَ بِمُدَاوَمَةِ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل سرًّا وجهرًا" فقال علي: كل الناس ذاكرون. وإنما أريد أن تخصني بشيء فقال: "مه يا عليّ. أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله. ولو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت لا إله إلا الله" ثم قال: "يا عليّ. لا تقوم الساعة وعلي وجه الأرض من يقول: الله الله" ثم قال عليّ: كيف أذكر يا رسول الله؟ فقال رسول الله: "غمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث مرات. ثم قل أنت: لا إله الله ثلاث مرات وأنا أسمع" ثم رفع رسول الله رأسه ومد صوته وهو مغمض عينيه وقال: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات. وعليّ يسمع. ثم إن علياً رفع رأسه ومد صوته وهو مغمض عينيه وقال: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات والنبي يسمع .
هذا أصل سند القوم في التلقين، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغلق الباب إشارة إلى أن طريقة القوم مبنية على السر وصفاء الوقت وأنه لا ينبغي أن يذكر لك منه بحضرة من ليس منهم ولا يعتقد فيهم.
** ** **
1 - سورة الفتح، آية : 10
2 - رواه البزار (2939،2356) و أحمد (28/348)( 17121-ط:الرسالة) والدولابي في الكنى والأسماء (1/268-269) (500-ط:دار ابن حزم) والطبراني في مسند الشاميين (1073) والحاكم في المستدرك (1783) وابن عساكر في تاريخ دمشق.