الكتاب : نصرة الفقير في الرد على ابي الحسن الصغير
المؤلف : السنوسي، محمد بن يوسف
pdf
أو
وبعد : فإني لما رأيتُ الهِمم قاصرة عن الله تعالى وعن طريق الوُصول إليه سُبحانه، ورأيتُ لها شُعوبًا وقواطع عن الله تعالى، وأكثرهم الذين يدّعوُن معرفة علم الظاهر، إذ هم في حجاب عن الله أخدوا بظاهر الشرع وتركوا ما كانت عليه بواطن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخدوا الظاهر عمادًا والإنكار على أهل الباطن وسادًاَّ، وساقوا التشَدُّقُ والتَّحَرُّق مهادًا، ورفضوا الحقيقة وأسبابَهَا وحُجِبوا بالغفلَةِ وفَتَحُوا أبْوابَها، إن ذُكِّروا بالحق أَنَفُوا، وإن قدروا على ذكَّرَهم عَنَّفوا وتكلمون بالشَّقاشق ويستظهرون بالبوارق، فيغترَّ بهم الغَمْرُ الجاهلُ الأعمى ويتقوَّوْن بالشَّاذ من الفتيا، فيميل إليهم كل مفتن جاهل فهو والله كما قال القائل :
فقيه سلِّم يا فقيه حالي ... عقلك بالقيل والقال مقفول
عمرك قد مضى منَ الخيرات خالي... ما فهمت معقولاً ولا منقولا
ألا وقد أجمع أهل علم الظَّاهر والباطنِ أنَّ الَّشريعة من غير حقيقةٍ وحقيقةٌ من غيرِ شريعة زندقة، العلم في صُدور العُلماء بالله علمٌ ونورٌ وحكمةٌ، وفي صدور غير العلماء بالله تَزْويقٌ وتَشديق وظلمةٌ، وأصحابها أهل الظاهر أخدوا بظاهر الشَّرع دون اشتباه، فاغترَّ بهم كثيرون من أهل اليقظَة والانتباه، فوقع الفسادُ منْ وَجْه الصَّلاح وأتى الخُسرانُ من حَيث الفلاح.