فأما شيخه سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، على ما ذكره الكثير من أهل السير :
فهو أشهر من نارٍ على عَلَمٍ، وأوصافه لا تخفي إلا على أكمه لا يعرف القمر، وفي بعض الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نَادُوا لِي عَلَى سيِّد العرب، قالت عائشةٌ، قلت: أَنتَ سَيِّدُ الْعَرَب، قَالَ: أنا سيِّد ولد آدم، وعلي هو سيد العرب».
قال أبو نعيم رضي الله عنه: "خُتِمَت الخلافةُ به؛ كما ختمت النبوَّة بسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم".
قال صلى الله عليه وسلم : «أنا مدينةُ الْعِلْمِ، وعليٌّ بابُها وهو رضي الله عنه قدوةُ الفقراءِ وزينة العارفين».
وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم : «لما نزل: وتعيها أذن واعيةٌ يا علي! سألت الله أن يجعلها أذنك».
قال عليُّ رضي الله عنه : فما نسيت بعد هذا شيئًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله سوابقٌ لا يجاري فيها رضي الله عنه؛ منها: إنه هو أول من أسلم مع خديجة، وأقرب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نَسَبًا، وزوَّجه بابنته التي كانت أحب الناس إليه وبضعة منه.
وابنه الحسن الذى قال فيه صلى الله عليه وسلم: «إن ابنى هذا سيد».
ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، فظهر مصداقه صلى الله عليه وسلم أن أصلح الله المسلمين بعد أن كانت سيوفها ورماحها مسلولةً لبعضها بعضًا.
ومنها فتح خيبر الذى كان على يديه.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما عسر عليهم أمرها: «لأُعطيَنَّ الرايةَ غدًا رجلاً يفتح الله على يديه، يُحب الله ورسوله، ويُحبّه الله ورسوله، وأرسلَ إليه يومًا، فلمَّا جاءَه؛ بعث إلى الأنصار، فلما اجتمعوا عنده قال لهم: يا معشر الأنصار ألا أدلَّكم عَلَى مَا إِنْ تَمَسَّكْتُم بِه لَن تُضِلُّوا بَعْدي، قالوا: بلى، قال: هذا عليٌّ؛ فَأَحِبُّوهُ لِحُبِّي إِيَّاه، وأَكْرِمُوهُ لِكَرَامَتي؛ فإن جِبْرِيلَ أَمَرَني بِذَلِكَ عَنْ ربه»ِِ. وقال فيه صلى الله عليه وسلم: «إِنْ تَسْتَخْلِفُوهُ تَجِدُوه هَادِيًا مَهْديًّا يَحْمِلُكُم عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيم». وفي رواية: « يَسْلُكُ بِكُمْ الطَّريقَ الْمُسْتَقيم».
وروي: «مَا أَرَاكُمُ فَاعِلِين».
وروي: «تجدوه هاديًا مهديًا يحملكم على المحجة البيضاء».
وقال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ! اَدر الحقَّ معه حيثُ دَار».
وقال صلى الله عليه وسلم: «قُسِّمَتْ الْحِكْمةُ عَشْرَةَ أَجزَاءٍ؛ فأُعْطِيَ عليُّ تسعةَ أجزائهَا، وسائرُ الْمسلمِين جزءًا واحدًا».
وروي عنه أنه قال: قلت يا رسول الله أوصني! قال: «قُلْ رَبِّي الله ثُمَّ استقم، قال: قلت ربِّي الله توكَّلتُ على الله، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكَّلْتُ، وإليه أُنِيبُ». فقال لي: ليهنيك العلم يا أبا الحسن، لقد نَهلته نهلاً، وشربته شربًا.
وكان رضي الله عنه وهو خليفةٌ؛ يرقِّع ثيابه، فقيل له في ذلك، قال: يخشع له القلب، ويقتدي به المؤمن.
واشترى قميصًا وهو خليفة بثلاثةِ دراهمٍ، فلبسه فإذا هو يفضل على أطراف أصابعه، فأمر به، فقطع ما فضل على أطراف أصابعه.
ومثل هذا, ما رواه عبد الله بن عمر: أنه فعله أبوه عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين. وأسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك.
ورؤي رضي الله عنه وهو يبيع سيفًا بالسوقِ وهو أمير المؤمنين، وهو يقول: من يشترى هذا السيف، فوالذى فلق الحَبَّ، وبرئ النسمة لطالما كشفت به الكَرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كانت عندى ثمن زادى مابعته قط وأنشد:
وَقَدْ تَخْرُجُ الْحَاجَاتُ يَا أُمّ مَالكٍ كَرَائِمٍ مِنْ رَبٍّ لَهُنَّ ضَنِين
وروي من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ سَرَّه أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي، وَيَمُوتُ مَمَاتِي، ويَتَمسَّك بِالْقَصَبةِ الْبَيْضَاءِ الْيَاقُوتَة التي خَلَقَهَا اللهُ بيدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: كُونِي فَكَانَتْ، فَلْيَتَولَّ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ مِنْ بَعْدي».
وروي من رواية ابن عباس: «مَنْ سَرَّه أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي، ويَمُوتُ مَمَاتي، وَيَسْكُن جَنَّاتَ عَدْنٍ غَرَسَهَا رَبِّي، فَلْيَتولَّ عَليُّ مِنْ بَعْدِي، وَليوالي وَلِيّه، وليقتدِي بِالأئِمَّةِ مِنْ بَعْدِي، فإنَّهم عِتْرتي، وَخُلِقُوا مِنْ طِينَتي، وورثوا فِهْمًا وعِلْمًا مني».
وروي: إن ضرار بن سمرة الكندي، دخل على معاوية، وهو خليفة أمير المؤمنين، فقال له: صِفْ لنا عليًّا كما يعلم من معرفته به ومحبته، فقال: أو تعفني؟ قال: لا، والله لا أعفيك حتى تصفه، فقال له: أما إذ لابد من وصفه، فقال: كان والله بعيد المدى، شديد القوى؛ يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجَّر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته. كان والله غزيرَ الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، ويعجبه من اللباس ما ستر، ومن الطعام ما خشن. وكان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرُّبه إلينا وقُرْبِنا منه لا نكلمه؛ لهيبته ولا نبتديه؛ لعظمته. فإن تبسَّم فعن اللؤلؤ المنظوم يضم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرضي الليل سدله، وغابت نجومه واقفًا في محرابه، قابضًا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وكأني أسمعه الأن وهو يقول: «ياربنا... ياربنا يتضرَّع إليه، ثم يقول للدنيا: هيهات... هيهات غُرِّ غيري فقد بتتك ثلاثًا لا رجعة فيها».
وفي رواية: «قد طلَّقتُك ثلاثًا لا رجعة لي إليك أبدًا؛ فعُمْركِ قَصِيرٌ، ومَجْلِسُكِ حَقِيرٌ، وَخَطَرُكِ كَثيرٌ، آه.. مِنْ قِلَّةِ الزادِ، وضَعْفِ العتادِ، وبُعد الشقةِ، وخوف المشقَّةِ، ووحشةِ الطريقِ، وقلَّةِ الرَّفِيق»ِ. قال: فوكفت دموع معاوية رضي الله عنه، وعلا نحيبه، وقد اختنق القوم بالبكاء. ثم قال: هكذا كان أبو الحسن رضي الله عنه، ثم قال: كيف وِجْدُك عليه يا ضرار؟ فقال: وجدى عليه وجد من ذُبح ولدها في حجرها؛ فهى لا ترقى دمعتها ولا تسكن حرقتها، ثم قام عنهم فخرج.
وكان رضي الله عنه من أجلاء علماء الصحابة رضي الله عنهم وعظمائهم، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرةً إلى اليمن فقال: «يا رسول الله! أتبعثني وأنا شاب لا علم لي بالقضاء؟ قال له: انطلق، فإن الله سيهدي قلبك، ويثبِّت لسانك». قال عليُّ: فوالله ما تعايبت في شيءٍ بعد.
وروي أنه قال رضي الله عنه: «اللُّهم اِهْدِ قَلْبَه».
قال: فما شكَّكت في قضاءٍ بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا.
وتقدَّم في ترجمة أبي الفضل الجوهري: إنه أسلم على يديه سبعون صنفًا من الجنِّ في قصة أبي بكر القاريء الذي استنقص أبي الفضل.
وفتاويه في المعضلات مع وجود فحول الصحابة شهيرةٌ.
وروي أنس قال: جمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين ثم قال: «قُل: يا عليُّ، فإنك أعلمهم وأفضلهم»، قال سعيد بن المسيب: كان عمر يستعيذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو الحسن».
وقال ابن مسعود: «أن عليًّا أفضل أهل المدينة بالفرائض».
وقالت عائشة رضي الله عنها مرةً: «مَنْ أفتاكم بصومِ عاشوراء؟ قالوا: عليُّ بن أبي طالب، فقالت: إنه أعلم الناس».
وقال مسروق بن الأجرع: انتهى العلم إلى ثلاثةٍ: عالم بالمدينة، وعالم بالعراق، وعالم بالشام. فعَالم المدينة: عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وعالم العراق: عبد الله بن مسعود، وعالم الشام: أبو الدرداء فإذا التقوا سألا عليَّ بن أبي طالب ولم يسألهما رضي الله عنهم ورضي عنا بهم.
ومات رضي الله عنه عام أربعين في رمضان، وهو ابن ثمان وخمسين سنةٍ، وقيل: ستون سنةٍ، وقيل: ابن ثلاث وستون سنةٍ.
وأمَّا أنس بن مالك بن النضر الأنصاري النجاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُكنى أبا حمزة، سُمي باسم عمه أنس بن النضر، أُمه أُم سُليم بنت ملحان الأنصارية.
قال أنس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، وتُوفي النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة.
وروي: إنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها, حتى بدر على خلافٍ في غزوة بدر.
وروي: «إنه لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة فكل واحد من النساء والرجال أتحف رسول الله صلى الله عليه وسلم بما استطاع، فأتت به أمه وقالت: يا رسول الله إن أهل المدينة كلهم أتحفوك بما استطاعوا غير أني لم أجد شيئًا أُتحفك به سوى ابنى أنس تقبَّله مني يكون خادمًا لك، قال لها: قبلته على أن يكتم سري، قالت له: يفعل يا رسول الله، قال أنس: فخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة سنين، فما قال لى شيءيًا فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله لما لم تفعله».
تُوفي رضي الله عنه عام إحدى وتسعين, وعُمره مائة سنةٍ إلا سنة. قال أبو عمر بن عبد البر: يقال: هو آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ولا أعلم أحد مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا الطفيل».
ويقال: «إن أنس بن مالك دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمال والأولاد، فكان أكثر الأنصار مالاً وأولادًا».
وبلغ نسله في حياته أولاده وأولاد أولاده المائة بين الأحياء والأموات والسقوط والله أعلم.
وصلَّى الله عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وَعَلَى آله وصحبه وَسَلِّم.
وأمَّا أنس بن مالك بن النضر الأنصاري النجاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُكنى أبا حمزة، سُمي باسم عمه أنس بن النضر، أُمه أُم سُليم بنت ملحان الأنصارية.
قال أنس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، وتُوفي النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة.
وروي: إنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها, حتى بدر على خلافٍ في غزوة بدر.
وروي: «إنه لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة فكل واحد من النساء والرجال أتحف رسول الله صلى الله عليه وسلم بما استطاع، فأتت به أمه وقالت: يا رسول الله إن أهل المدينة كلهم أتحفوك بما استطاعوا غير أني لم أجد شيئًا أُتحفك به سوى ابنى أنس تقبَّله مني يكون خادمًا لك، قال لها: قبلته على أن يكتم سري، قالت له: يفعل يا رسول الله، قال أنس: فخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة سنين، فما قال لى شيءيًا فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله لما لم تفعله».
تُوفي رضي الله عنه عام إحدى وتسعين, وعُمره مائة سنةٍ إلا سنة. قال أبو عمر بن عبد البر: يقال: هو آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ولا أعلم أحد مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا الطفيل».
ويقال: «إن أنس بن مالك دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمال والأولاد، فكان أكثر الأنصار مالاً وأولادًا».
وبلغ نسله في حياته أولاده وأولاد أولاده المائة بين الأحياء والأموات والسقوط والله أعلم.
وصلَّى الله عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وَعَلَى آله وصحبه وَسَلِّم.